أثناء زيارتي لابنتي المبتعثة التي تدرس في إحدى الولايات الأميركية، عرجت يوماً على معهد اللغة الذي تدرس فيه، أعجبتني في المعهد البسيط جداً في أثاثه، لوحة رائعة مثبتة أعلى كل سبورة في كل الفصول، وهي لا تخجل من الخطأ. فإنك إن لم تخطئ لن تتعلم، لذا تحدث واخطأ كما تشاء. مهمتنا تصويب الخطأ ومساعدتك في التعلم. انتهت العبارة الرائعة التي أسرتني، والتي أحدثت هي ومفهومها حركة رائعة، تشعر فيها بالثقة داخل كل طالب وطالبة، كلهم يتحدثون بل ويفخرون بأخطائهم، والمدرسون يؤمنون فعلاً بالعبارة الموضوعة أعلى السبورة، لذلك يصوّبون الأخطاء من دون استهزاء أو سخرية بأحد، وإن وجدوا طالباً يخشى التحدث حتى لا يخطئ، يتفرغون له ولا يتركونه إلا وهو كالآخرين، لا يضيره الخطأ، بل يملؤه فخراً بشرف المحاولة، والرغبة الحقيقية في التعلم. وكنت أستغرب حقيقة وما زلت، على رغم أن استغرابي زال الآن، أو بالأحرى بعد رؤيتي للوحة، وعرفت أنها ليست لوحة فقط، بل مفهوم وقيمة كبيرة. حين أرى ابنتي تعاني من المرض، وتصر إصراراً عجيباً على الذهاب إلى المعهد، على رغم الحرارة أو البرد الشديد، أو العواصف والثلوج شأنها شأن معظم الطلاب والطالبات المبتعثين للدراسة. لماذا أذكره الآن؟ لأن صحيفتنا «الحياة» نشرت قبل أيام عدة، خبراً عن قيام معلمة لغة إنكليزية في مدرسة جخيرة الابتدائية في منطقة جازان، بضرب عدد لا بأس به من الطالبات، تفاوتت إصاباتهن بين جرح غائر في الأذن، وخدوش في الوجه وإصابات في الرأس، يعني عملت لهم إصابات مُشكلة، علشان ما تزعل أحداً، ومن أجل التنويع أيضاً! أما الخطأ الشنيع الذي قامت به الطالبات، وجعلهن في نظرها يستحققن هذا التعذيب، فهو عدم إجابتهن على أسئلة مادة الاختبار! أذكر نهاية الخبر وأضعه لكم، وفيما أوضح مدير التربية والتعليم في محافظة صبيا، في اتصال مع «الحياة»، أنه سيجيب على الاستفسارات في وقت لاحق، كونه مشغولاً في أحد العروض، ولا يستطيع الحديث في الوقت الحالي، أشار مدير إدارة التعليم التربوي في المحافظة محمد عطيفة إلى أنه سيأخذ المعلومات، وفي حال ثبت تعنيف المعلمة للطالبات، فإنه سيتم تشكيل لجنة للتحقيق مع جميع الأطراف، وسيتم اتخاذ الإجراء اللازم. أرجو من الله أن تتمكّن صحيفة «الحياة» عن طريق منسوبيها ومحرريها من استكمال الاتصال بالمسؤول، لمعرفة نتيجة التحقيقات مع استكمال النتيجة، مع علمي أن دول العالم الأول تهب بكل مؤسساتها الحكومية والأهلية عندما تسمع عن خلل عميق كهذا يخل بالعملية التعليمية، ويقوّض رغبة الدولة في النهوض بالفرد، ويخلق لنا عاهات مجتمعية وشخصيات هشة، بل وعنيفة معرضة للتسرب من المدارس! ارتبط لدينا كثيراً التعليم بالتخويف، وأصبح مفهوم الخوف هو نفسه الاحترام، والذي أعرفه بل واكتشفه من العيادة التي بها أعمل كاختصاصية اجتماعية، أن الخوف الشديد يخلق شخصيات غير سوية معرضة للانكسار في أية لحظة، عندما تتعرض لموقف لا تتمكّن من تحمله. شخصيات يصبح هاجسها الانتقام من المجتمع الذي سمح لشخصيات غير واعية تربوياً بالإمساك بأعناق زهور بريئة، لتحدث بها جروحاً غائرة وإصابات وخدوشاً، بل وربما ألفاظاً بذيئة لا تتناسب مع البيئة المدرسية، التي نحلم بها لأنهن لم يعرفن الإجابة! [email protected]