قام مجلس التعاون الخليجي بإرسال قوات أمنية للمساعدة في حفظ الأمن في البحرين والإسهام في حقن الدماء، وتعتبر هذه الخطوة ضرورية ولها دلالاتها المعنوية القوية، إضافة إلى كونها دعماً لوجستياً على الأرض، فالحكومة البحرينية كانت قادرة على بسط الأمن بالطريقة التقليدية وبواسطة أفراد الشرطة والجيش، كما شاهدنا في أولى لحظات الفوضى، إذ استطاعت فض التمترس الفوضوي في «دوار المنارة» في بدايات الحراك الممنهج لهذه الفئة خلال ساعة من الزمن. ولكن ما قبل ذلك كانت الحكومة البحرينية حريصة كل الحرص على الاقتراب من نبض الشارع بجميع أطيافه وتحاول تجذير النموذج الوطني المثالي في البحرين، الذي تم تطويره في عام 2002 بعد المصادقة على الميثاق الوطني والدستور باستفتاء شعبي وصلت نسبة الموافقة عليه 98.25 في المئة، إذ لم تقف الدولة عن عملية تطور البرنامج السياسي والوطني للبحرين حتى أوصلتها لدرجة رفيعة اقتصادياً، على رغم شح الإمكانات المادية ومكانة سياسية دولية لها وزنها بسبب المواقف الثابتة عربياً ودولياً. وجاء ربيع الثورات العربية الحالي عاملاً محفزاً لاندساس الفوضى الفئوية لبعض البحرينيين بين الانتفاضات العربية الفعالة في الشهرين الماضيين، وحينها اصطدمت الحكومة البحرينية بمؤامرة خارجية التوجيه وبأدوات داخلية، إذ دق ناقوس الخطر في الوطن العربي قاطبة مذكّراً نخبه وقادته بالمأزق العربي الدائم مع الكيان المختلط الملامح في العراق، الذي سحق أكثر من كيان نصف الشعب العراقي لأسباب طائفية، وتبعية هذا النظام العراقي للمشروع الإيراني، وذلك كما اتضح هو المصير المطلوب للبحرين من الوسائل والشخوص المستلمة ملف الفوضى الآن. كل ذلك لم يمنع الحكومة البحرينية بأن تمارس ضبط النفس والتمتع بسعة صدر لسماع ومناقشة وقبول التغييرات المطلوبة من جميع أطياف الشعب، وتمثلت مرونة الدولة في محاولات مستمرة لطلب الحوار مع المعارضة والدعوة لها يومياً بواسطة ولي العهد البحريني لسماع وفهم المعارضة والوصول معها لمطالب الشعب البحريني بأكمله، والمتولدة مع ربيع الثورات، وبما لا يتعارض مع سيادة وعروبة واستقلال البحرين، وخلاف كل ذلك مباح للطرح على طاولة الحوار. تلك المحاولات من الحكومة البحرينية قوبلت من الفئة المبرمجة على المعارضة الدائمة بالاستهتار والتصعيد وإغلاق الطرقات الرئيسة للمنطقة الاقتصادية والاعتداء على رجال الأمن والمواطنين الغاضبين من التصعيد المبرمج والخالي من أي أهداف وطنية، وبدت كأنها خطوات تصعيدية للاصطدام المباشر مع الدولة والشعب للانتقال للخطوة التالية، التي ستكون أكثر دموية، حين يتم تحفيز بلطجية منفذي أجندة الانقلاب للاصطدام المباشر مع الحكومة والشعب، كما حدث في جامعة البحرين، وكذلك في مركز أبو بكر الصديق لتحفيظ القرآن في المنامة، إذ تم الاعتداء على المسجد وطلاب المركز فقط لكون المركز يحمل اسم «أبو بكر الصديق»! علينا أن ندرك بأن القضية البحرينية ليست شأناً داخلياً فقط ينتهي بانتهاء أحد الأطراف أو باتفاقهما، بل تعتبر مثلها مثل باقي القضايا العربية المركزية الأخرى التي فشلنا سابقاً في معالجتها واستيعابها كقضايا مركزية عروبية خالصة بأثر شامل على الوطن العربي، ووجب علينا الآن أن نتعلم من أخطائنا التي كلفتنا دولاً وشعوباً، ولا يعود ذلك المطلب لوحدة الشعب العربي المصيري وضرورة التعاضد لحماية أفراده من الكوارث ومن المصائب والمصائد فحسب وتلك أولوية، بل علينا أن نفهم أخيراً بأن الأقاليم العربية كلها تمثل أعضاءً من جسد واحد لا ينفع معها البتر للمعالجة، كما حدث مع فلسطين والعراق والصومال ونصف السودان والأهواز العربية شرقي الخليج العربي، وربما القائمة طويلة، فلربما نصبح بعد حين قطع غيار لمشاريع دول أخرى. إذا فخطوة دعم البحرين بأبناء قوات «درع الجزيرة» ، إضافة للدعم المالي الذي قام مجلس التعاون الخليجي بتقديمه للبحرين بقيمة عشرة بلايين دولار، تبعث برسالة بالغة الجدية لكل المشاريع الخارجية لمتانة جدار الصد، والقناعة الكاملة بوحدة المصير، وعدم السماح بالعبث مجدداً بأمن الخليج العربي، خصوصاً بعد خسارة البوابة الشرقية العراقية، ما يعني أملاً كبيراً بانقشاع الغمة الإيرانية التي تعمل على وضع يدها على مفتاح آخر من مفاتيح الوطن العربي بعد العراق ولبنان، إن ذلك ما توقعناه من دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية التي أبدت التزاماً متوقعاً للحفاظ على عروبة وشعب ومقدرات البحرين كخطوة من خطوات إعادة بناء المشروع العربي. جرير خلف - الرياض [email protected]