(رويترز) - في السعودية، حيث يندر استخدام الرموز البريدية، ويدفع معظم الناس نقداً، ويجري التسوق في مراكز عملاقة مكيفة الهواء، يصبح بناء نشاط لتجارة التجزئة عبر الإنترنت مهمة ليست بالهينة. لكن موقعين للتجارة الإلكترونية يتلقيان دعماً قوياً، يحاولان ذلك، مراهنين على أن الشباب الشغوف بالتقنية سيصبح في نهاية المطاف شريحة كبيرة في أكبر سوق استهلاكية في العالم العربي. فبعد أشهر من التأخيرات، انطلق موقع «نون. كوم» في الإمارات العربية المتحدة في مطلع تشرين الأول (أكتوبر)، وقال إنه سيدخل السوق السعودية «في غضون الأسابيع المقبلة». سيطلق ذلك سباقا في الهيمنة على سوق كبيرة غير مستغلة مع موقع «سوق. كوم» الذي مقره دبي وله نشاط بالفعل في المملكة، ويسعى للتوسع بعدما استحوذت عليه «أمازون» هذا العام. وكلتا الشركتين مسلحة تسليحاً جيداً لخوض غمار المعركة. فقد ضخ المستثمرون في «نون. كوم»، ومنهم البليونير الإماراتي محمد العبار وصندوق الثروة السيادية السعودي بليون دولار في المشروع. وتخطط هذه الشركة أيضاً للاستفادة من الأصول القائمة لمجموعة «إعمار مولز»، التي يترأس العبار مجلس إدارتها، وخدمة «أرامكس» لنقل الطرود، وموقعي «نمشي» و«جادو بادو» للتسوق عبر الإنترنت. كان موقع «سوق. كوم» يعرف ب«أمازون الشرق الأوسط» حتى من قبل أن تستحوذ عليه أكبر شركة للتجارة الإلكترونية في العالم، وأصبح له زبائنه الدائمون، وأقام علاقات مع علامات تجارية منذ إطلاقه في عام 2005. وقال المحلل لدى «بي.ام.آي» لأبحاث السوق جوش هولمز: «نعتقد أن أمازون وسوق. كوم سيستفيدان من دخولهما المبكر إلى السوق». لكن في ظل التوقعات بارتفاع المبيعات الإلكترونية في المملكة إلى 13.9 بليون دولار، بحلول 2021، من 8.7 بليون دولار متوقعة العام الحالي، قال هولمز إنه سيكون أمام نون. كوم مجال كبير للمنافسة. وتابع «في حين أن المنافسة بين أمازون/ سوق ونون. كوم ستكون محتدمة فإننا نعتقد أن هناك مجالاً كبيراً لكليهما للازدهار في المملكة، وفي المنطقة عموماً». تغير تجاري جذري التحول إلى تجارة التجزئة عبر الإنترنت سيكون تغيراً جذرياً في تجارة الشرق الأوسط، حيث لا تصل المبيعات الإلكترونية الآن إلى اثنين في المئة من إجمالي تجارة التجزئة، وهو ما يقل 12 مرة عن بريطانيا، بحسب تقرير لمجموعة بوسطن الاستشارية. وفي السعودية، المتأخرة في هذا المجال عن الإمارات رائدة القطاع بالمنطقة، تشكل التجارة الإلكترونية 0.8 في المئة فقط من إجمالي تجارة التجزئة. وسيكون على «نون» و«سوق» التكيف مع تحديات السوق. من بين تلك التحديات مسألة التسليم. ففي الوقت الحاضر تطلب الشركات في السعودية علامات مميزة للمكان وليس العناوين، ويطلب السائقون غالباً إرسال المواقع عبر تطبيق «واتساب». وهناك مسألة الدفع، إذ يحوز أقل من نصف السكان بطاقات ائتمان، وغالباً ما تضطر شركات التجارة الإلكترونية إلى طرح خيار الدفع نقداً عند التسليم، وهو ما يزيد في أخطارها. وثمة أخطار أخرى أيضاً. فارتفاع معدل البطالة بين جيل الألفية في المملكة ربما يحد من القوة الشرائية في الأجل الطويل. لكن المحللين أشاروا إلى ارتفاع نسبة الشباب وصغار السن بين السكان في المملكة، ومعدل استخدام التقنية المرتفع وشبكات النقل عالية الجودة باعتبارها بواعث تفاؤل. وتشهد بعض الشركات ازدهاراً بالفعل. وقال المدير العام لشركة «دي.اتش.ال» للخدمات اللوجستية في السعودية فيصل الحجامي إن التجارة الإلكترونية تشكل الآن ما يزيد على 40 في المئة من أنشطة الشركة لنقل الطرود القادمة إلى المملكة، متوقعاً أن يستمر ذلك في النمو. وتحاول شركات جديدة تطوير وسائل للتكيف مع تحديات التوصيل في المملكة. فعلى سبيل المثال، تستخدم فتشر، التي مقرها دبي، تطبيقاً يتيح للمستخدمين تحديد مواقعهم باستخدام نظام «جي.بي.إس» مثل «أوبر». وقالت المشاركة المؤسسة ل«فتشر» جوي عجلوني متحدثة مع الشريك إدريس الرفاعي: «ندرك أنه لا أحد في السعودية لديه عنوان رسمي، لكن الجميع لديهم هواتف ذكية». وعلى مدى العام الأخير زادت «فتشر» أنشطتها في المملكة لتصل إلى 84 مدينة من ثلاث مدن، وتخطط الشركة لإضافة 25 مدينة أخرى بنهاية العام، ويعمل لديها الآن نحو ألف موظف. وتقدر عجلوني والرفاعي نمو السوق بنحو 20 إلى 30 في المئة سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة، لكنهما حذّرا من أن ضريبة القيمة المضافة، البالغة خمسة في المئة، المزمع تطبيقها العام المقبل في منطقة الخليج، ربما تؤدي إلى إعادة النظر في هذا التوقع. وأضافا أن من المقرر تطبيق تلك الضريبة على المنتَج في كل مرة يعبر فيها الحدود، بحيث يمكن أن تصل إلى 15 في المئة عندما يتسلم العميل الطرد، و20 في المئة إذا قرر إعادته. وقالت عجلوني «ستكون عقبة كبيرة.. يتحدث الجميع عن نمو التجارة الإلكترونية لكن ذلك سيصيب هذا النمو بالشلل التام».