اشتدت الضغوط أمس على الرئيس اليمني مع تزايد الاحتجاجات المطالبة برحيله وانضمام قادة رئيسيين في الجيش ومشايخ قبليين كبار إلى حركة الشباب المطالبين بإسقاط النظام، واتساع موجة الاستقالات والانشقاقات في السلك الحكومي والديبلوماسي، واعتبار باريس انه لم يعد هناك مفر من تنحيه وتأكيد واشنطنولندن أن استخدامه القوة «أمر غير مقبول». ورد علي عبدالله صالح على هذه التطورات بنشر قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي وإعلان انه «صامد» في منصبه وأن غالبية الشعب اليمني تؤيده، وأصدرت قيادة القوات المسلحة التي يرأسها بياناً أكدت فيه أنها لن تسمح بالانقلاب على الديموقراطية والشرعية الدستورية وأنها ستبقى وفية للرئيس. وتلقى صالح ضربة قاسية مع إعلان اللواء الركن علي محسن صالح الأحمر، قائد الفرقة المدرعة الأولى الذي يعتبر احد أركان النظام، انضمامه مع قواته إلى حركة التغيير وشبانها المعتصمين في وسط صنعاء، وتعهده حمايتها من أي هجمات جديدة. وحذا حذوه عشرات الضباط من مختلف الرتب الذين توافدوا إلى «ساحة الحرية» قبالة جامعة صنعاء ليعلنوا دعمهم للمحتجين. وقال اللواء الأحمر الذي يحظى باحترام كبير في الجيش وعلى المستوى الشعبي، في بيان، انه «نزولاً عند رغبة زملائي وأبنائي في المنطقة العسكرية الشمالية الغربية والفرقة الأولى المدرعة والذين أنا واحد منهم، اعلن نيابة عنهم دعمنا وتأييدنا السلمي لثورة الشباب السلمية». وأضاف «سنؤدي واجباتنا غير المنقوصة في حفظ الأمن والاستقرار»، معتبراً أن «إجهاض العملية الحوارية وإغلاق منافذ التوافق الوطني وقمع المعتصمين السلميين (...) أدت إلى أزمة تزداد تعقيداً وتدفع البلاد نحو شفير العنف والحرب الأهلية». وسرعان ما نشر الحرس الجمهوري بقيادة نجل الرئيس العميد الركن أحمد صالح تعزيزات مدرعة في شوارع صنعاء الحيوية وبالقرب من المصرف المركزي والقصر الجمهوري ودار الرئاسة ووزارة الدفاع. كما نشر وحدات كبيرة من قوات الأمن المركزي بقيادة ابن شقيق الرئيس العميد يحيى صالح عند مداخل ساحة الاعتصام. وأدى تبادل نشر القوات إلى توتر كبير دفع بالسفارة الأميركية إلى الطلب من رعاياها البقاء في منازلهم ليل امس بسبب «استمرار الاضطرابات السياسية وعدم اليقين في صنعاء وبقية أنحاء اليمن». وترأس علي صالح اجتماعاً للمجلس الأعلى للدفاع الذي اعلن انه في حال انعقاد دائم. ونقلت عنه وكالة الأنباء اليمنية الرسمية «سبأ» عن الرئيس قوله «إننا صامدون (...) والسواد الأعظم من الشعب اليمني مع الأمن والاستقرار والشرعية الدستورية»، مؤكداً أن «من يدعون للفوضى والعنف والبغضاء والتخريب هم قلة قليلة من مجموع الشعب اليمني». وأعلنت الوكالة أن الرئيس أوفد وزير الخارجية أبو بكر القربي إلى الرياض ناقلاً رسالة إلى القيادة السعودية لم تكشف عن مضمونها، غير أن مصادر ديبلوماسية في صنعاء توقعت أن تتضمن الرسالة تجديد طلب وساطة سعودية لحل الأزمة الراهنة في اليمن. وصدر بيان باسم «القيادة العامة للقوات المسلحة» جاء فيه: «في هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها الوطن ويواجه فيها تحديات صعبة ناتجة من ظروف الأزمة التي افتعلتها بعض القوى المتربصة للانقلاب على الديموقراطية والشرعية الدستورية بعيداً من إرادة الشعب التي عبر عنها في صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة، تعلن القوات المسلحة والأمن بأنها ستظل وفية بالقسم الذي أداه كل أفرادها أمام الله والوطن والقيادة السياسية بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بالحفاظ على الشرعية الدستورية والأمن والاستقرار، والوحدة وحماية منجزات الشعب اليمني ومكتسباته التي حققها في ظل راية الثورة والوحدة والديموقراطية، ولن تسمح بأي شكل من الأشكال لأي محاولة للانقلاب على الديموقراطية والشرعية الدستورية أو المساس بأمن الوطن والمواطنين». وأكد اللواء الركن الأحمر في تصريح إلى «الحياة» انه ليس هناك انقسام في القوات المسلحة وأن إعلانه دعم وحماية المعتصمين في «ساحة التغيير» والاحتجاجات السلمية هو من صميم واجب القوات المسلحة اليمنية لجهة دعم مطالب الشعب السلمية في التغيير والديموقراطية والتداول السلمي للسلطة. ونفى ما جاء على لسان وزير الدفاع حول محاولة انقلاب على الشرعية الدستورية، وقال: «هذا الكلام لا يوجد إلا في رؤوس الذين لا يريدون الاعتراف بشرعية مطالب الشباب السلمية التي ينص عليها الدستور، مشيراً إلى أن «القوات المسلحة تدعم سلمياً كل المطالب السلمية المشروعة للشعب وحقوقه الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة». وعلمت «الحياة» من مصادر مطلعة في صنعاء أن اللواء الركن الأحمر حاول التوسط بين الرئيس وأحزاب المعارضة في «اللقاء المشترك» لنزع فتيل الأزمة الراهنة، ونصح علي صالح الأربعاء الماضي باتخاذ خطوات متقدمة تكفل له خروجاً مشرفاً، لكنه شعر بأن علي صالح غير مستعد للتخلي عن السلطة. وأضافت المصادر أن الحديث بين الرئيس واللواء الأحمر تم بحضور عدد من مستشاري ومساعدي الرئيس وفي مقدمهم مستشاره السياسي الدكتور عبد الكريم الإرياني، وأكدت أن الثاني تمكن من إقناع رئيس الهيئة العليا لحزب «التجمع اليمني للإصلاح» المعارض محمد اليدومي بلقاء الرئيس مساء الخميس الماضي وأن اللقاء كان إيجابياً، غير أن المذبحة التي تعرض لها المعتصمون في ساحة التغيير في اليوم التالي قطعت كل فرص التواصل بين الحكم والمعارضة. وفي وقت سابق، اعلن شيخ مشايخ قبائل حاشد صادق الأحمر في اتصال مع قناة «الجزيرة» القطرية انضمامه إلى الحركة الاحتجاجية المطالبة بتغيير النظام، ودعا علي صالح إلى «خروج هادئ» و»مشرف» من السلطة التي يتولاها منذ 32 سنة. وقال الشيخ الأحمر «اعلن باسم جميع أبناء قبيلتي انضمامي للثورة». ووجه نداء إلى الرئيس حتى «يجنب اليمن سفك الدماء ويخرج بهدوء». كما اكد انه مستعد للوساطة من اجل «خروج مشرف للبلد والأخ الرئيس». وأعلن كل من سفراء اليمن لدى سورية والكويت والسعودية استقالتهم من مناصبهم ومن حزب «المؤتمر الشعبي العام» الحاكم، ووجه سفراء اليمن في كل من باريس وبروكسيل وجنيف وبرلين ولندن وهافانا، إضافة إلى القنصل في فرانكفورت، رسالة إلى صالح يطلبون منه «الاستجابة إلى مطالب الشعب والاستقالة لتفادي إراقة الدماء». وانضم السفيران في القاهرة وجامعة الدول العربية إلى المستقيلين. وفي بروكسيل، رأى وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه في ختام اجتماع مع نظرائه الأوروبيين انه «لم يعد هناك مفر» لتنحي الرئيس اليمني، وقال للصحافيين «يتعين اليوم مساعدة الراغبين في الدفع قدماً نحو حقوق الإنسان وبناء الديموقراطية. انه أمر مهم بالنسبة إلى كل الدول. نقول ذلك لليمن حيث الوضع يتدهور». وأضاف «ينبغي أن تأخذ السلطة الحاكمة هذا الأمر في الحسبان. ويبدو اليوم أن رحيل الرئيس صالح لا مفر منه». وفي واشنطن، اعلن البيت الأبيض انه تم إبلاغ الحكومة اليمنية بأن العنف الذي شهدته صنعاء في الأيام الأخيرة أمر «غير مقبول». وقال بين رودس، مساعد مستشار الرئيس باراك اوباما لشؤون الأمن لصحافيين على متن الطائرة الرئاسية المتوجهة إلى تشيلي إن «ما يثير قلقنا الآن هو العنف الذي شهدناه في الأيام الأخيرة». وأضاف «ابلغنا حكومة اليمن أن هذا النوع من العنف غير مقبول». وفي لندن، قال رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كامرون أمام البرلمان «نحن منزعجون للغاية بسبب ما يحدث في اليمن وندعو كل بلد في هذه المنطقة إلى تلبية تطلعات شعبه بالإصلاح لا بالقمع». «المعركة الأخيرة» ونقلت وكالة «فرانس برس» عن محللين قولهم إن المجزرة التي شهدتها ساحة جامعة صنعاء الجمعة الماضي وقتل فيها 52 شخصاً من معارضي النظام برصاص مسلحين موالين للنظام، ساهمت في تسريع الانشقاقات وفي تأجيج حماسة المطالبين بإسقاط النظام، وجعلت الرئيس صالح يخوض معركته الأخيرة بعدما فقد دعائم حكمه في الجيش ولدى القبائل والمؤسسة الدينية. وقال الباحث الفرنسي المتخصص في الشؤون اليمنية فرانك ميرمييه إن صالح «يتحصن في معاقله الأخيرة. لقد فقد الشرعية أمام شعبه، انه يخوض حربه الأخيرة، إنها معركة موت أو حياة». وأضاف أن مجزرة الجمعة أظهرت انه «فقد الأمل ولم يعد يملك أوراقاً كثيرة في يده» مشيراً إلى أن «هذه السياسة القمعية تصعد شبح الحرب الأهلية». وفي المقابل، تبدو المعارضة للمرة الأولى موحدة، خصوصاً مع وضع «الحراك الجنوبي» مطالب الانفصال جانباً، ومع التحاق المتمردين «الحوثيين» في الشمال بالحركة الاحتجاجية بقوة، بينما تبدو المعارضة البرلمانية موحدة مع الطلاب الجامعيين الذي يشكلون عصب الحركة المطالبة بالتغيير.