إنها المركبة الفضائية الأولى من صنع الإنسان تدور حول كوكب عطارد. ليس أمراً هيّناً ما فعلته مركبة الفضاء الأميركية «ماسنجر» بدخولها في مدار ثابت حول عطارد. وأخيراً، استطاع البشر أن يضعوا مركبة حول الكوكب الأقرب إلى الشمس في مجموعتنا الكونية. وتمكن الإنسان من الإقتراب من الشمس، وهي النجمة المركزية التي يدور كوكبنا حولها، إلى أقصى ما تسمح به مدارات الكواكب السيّارة. ومع تنبّه علمي متزايد للعلاقة الوثيقة بين متغيّرات الفرن الشمسي ومصير الحياة على الأرض، تصبح مراقبة هذه النجمة عن كثب، مسألة فائقة الحيوية لبقاء الجنس البشري. وبعد رحلة من الطيران الكوني صوب الشمس استغرقت ما يزيد على ست سنوات، وصلت المركبة الفضائية «ماسنجر» إلى عطارد، أقرب الكواكب السيّارة إلى الشمس في مجموعة الكواكب التي تدور حولها. وقد أطلقتها «الوكالة الأميركية للفضاء والطيران» (ناسا) في 2 آب (أغسطس) 2004. وغادرت «ماسنجر» مدار الأرض بعد سنة من إطلاقها. وفي 2006، دارت كالمقلاع حول كوكب الزهرة، ثاني أقرب الكواكب السيّارة إلى الشمس،. ثم دارت حول الشمس 15 مرّة، كي ترفع سرعتها 104 آلاف كيلومتر في الساعة. ومع نهاية أيلول (سبتمبر) 2009، باتت «ماسنجر» تحلّق في محاذاة عُطارد. ثم أجرت مناورة كبرى، تحكّم بها علماء وكالة «ناسا» من الأرض، كي تضع نفسها في مدار ثابت حول عُطارد، بداية من اليوم. وبلغ مجموع المسافة التي قطعتها المركبة «ماسنجر» كي تصل الى عطارد، قرابة 8 بلايين كيلومتر. وللوقاية من الحرارة اللافحة للشمس، غُلّفت «ماسنجر» بقماش سميك من سيراميك النكستيل، وهي مادة عازلة مُركّبة إصطناعياً. وتصل الحرارة عند سطح هذا القماش إلى 370 درجة مئوية، لكنها تبقى في حدود 20 درجة مئوية في «ماسنجر». وتُزوّد ألواح شمسية المركبة بالطاقة، كما تعمل على صدّ جزء كبير من أشعة الشمس عنها. وتحتوي «ماسنجر» أجهزة لقياس حقل الجاذبية في عطارد، ومسح سطحه، وتقصي وجود المعادن أو المُكوّنات الأخرى على أرضه، ومجسّات لقياس الغازات وتركيبها في الغلاف الجوي لهذا الكوكب الصغير والملتهب. ويعتبر عطارد الكوكب السيّار الأصغر في مجموعتنا الشمسية. وينجز دورة حول الشمس كل 88 يوماً أرضياً، بمعنى أنه يتم سنة شمسية خلال 88 يوماً، بالمقياس التي نحدد فيها الأيام على كوكبنا. وقد صوّرته كاميرات البشر للمرّة الأولى في 29 آذار (مارس) 1974، بفضل المركبة الفضائية الأميركية «مارينر 10» التي حلّقت على بُعد 210 ألف كيلومتر منه.