... ومات علي الجابر. قُتل عبر كمين غادر، باغته في مكان ما، زمان ما، برصاص أطلقته يد ما! سوف «تتفذلك» المذيعة الليبية هالة المصراتي على قناة «الليبية»، متسائلة، من دون أن تكفّ عن ردّ خصلات شعراتها المندلقة على وجهها: لو كنا نريد قتل أحد... لماذا نقتل علي الجابر؟ لماذا لم نقتل مصطفى عبد الجليل؟ (طبعاً هي قالت: عبد الذليل). ربما، ليس من المهم من قتل علي الجابر. المهم أنه قُتل. مات. اغتيل. استشهد. تردى. توفي. لاقى حتفه. وافى أجله، أو وافاه الأجل. المهم أن نهاية علي الجابر لم تكن بسبب حادث سيارة، ولا بسبب السرعة الزائدة، ولا التهور... لم يرم علي الجابر نفسه من طابق عالٍ، ولا تناول جرعة زائدة من أي شيء. اللهم سوى جرعة زائدة من انتمائه لمهنيته. إنه مصوّر، ولا بد أن يصوِّر، وأن يكون حيث ينبغي التصوير. هذا الفتى القطري، الذي التقيته، وتعرفتُ إليه فترة قصيرة عام 2007 في الخرطوم عندما حضر من أجل تدريب مجموعة من الشباب السودانيين، العازمين على العمل في قناة «الشروق» الفضائية، لإتقان فن التصوير، وامتلاك الدربة في التعامل مع الكاميرا، وتأهيلهم للعمل مراسلين محترفين، وكيفية إنجازهم للتقارير التي يحتاجها العمل التلفزيوني... هذا الفتى القطري كان قادراً على منحك كل ما يُلزمك احترامه، وتقديره. كل ما في الرجل كان ينبئ بالهدوء والدماثة، والابتعاد من أي ادّعاء. خبرة مديدة في مجال عمله كان يمتلكها، وموقع مهني مميز كان يحتله في قناة «الجزيرة»، ومع هذا كانت البساطة عنوانَه، إلى درجة أنه كان، بعيداً من ورشات التدريب، قليل الكلام، عميق التأثير. سيموت علي الجابر، رئيس قسم التصوير في قناة «الجزيرة»، برصاص غادر. وقبل قرابة أسبوع من ذلك، سيفلت الصديق فراس كيلاني، مراسل قناة «بي بي سي» العربية، بأعجوبة نادرة من الموت، وقد تعرض لعملية إعدام وهمية، بعدما نال ما نال من الضرب والإهانة والإذلال والشتائم المقذعة. وما بينهما، يبدو أن القوائم مؤهلة للاستطالة، من بلد عربي إلى آخر، من مشرق العالم العربي إلى مغربه، وفي ثنايا التفاصيل تظهر قائمة أسماء مذيعين ومراسلين وصحافيين ومحررين، ويبدو أنها لن تنتهي عند علي الجابر... فلم يعد الأمر متوقفاً عند حافة المنع، أو حدود الاعتقال، أو الإبعاد. صار للدم لغة، وللقتل أساليب. ما بين عملية إعدام حقيقية نالت من المصوّر علي الجابر، وعملية إعدام وهمية أفلتت المراسل فراس كيلاني، يبدو الإعلاميون العاملون في الميدان العربي بلا حصانة. بلا حماية. يبدون مشرَّعين للموت غيلة، أو للضرب والإهانة والإذلال. يدفعون ضريبة كلمة يقولونها، أو صورة يلتقطونها. فما أغلاه من ثمن، وما أبأسنا إن تركنا القاتل بلا عقاب!