لعبت الاضطرابات السياسية التي شهدتها دول عربية لمصلحة المواقع الاجتماعية والصحف الالكترونية التي استقطبت عدداً كبيراً من القراء جراء اعتمادها على تقارير ومشاهدات كتبها مواطنون عاديون من مواقع الأحداث المختلفة في المنطقة. وعليه، توقع خبراء ان يشهد الإعلام الالكتروني العربي تطوراً كبيراً خلال السنوات المقبلة. وعلى رغم ان توقعات خبراء القطاع ليست جديدة، إذ تحدثوا طوال السنوات القليلة الماضية عن ان فكرة «الصحيفة» ستخضع لتطوراتٍ جذريةٍ، بحيث سيلجأ كثيرون من القراء في الشرق الأوسط إلى قراءة صحفهم اليومية إلكترونياً بدلاً من قراءة الصحف المطبوعة، فإن الحال لم تكن كذلك فعلاً خلال السنوات الماضية، إذ استمرت الصحف المطبوعة في استقطاب عدد أكبر من القراء، على رغم انتشار ال «برودباند» وأجهزة ال «آي بود» وتطبيقات الهواتف الذكية في المنطقة. ورأى المستشار الأول في مؤسسة «بوز آند كومباني» العالمية عامر لحام، انه «لم تثبت هذه التوقعات حتى وقتنا هذا، على رغم الارتفاع الفعلي في معدلات انتشار خدمات ال «برودباند» (الإنترنت السريعة) في المنطقة، حيث سجل عدد المستهلكين الذين يتمتعون بخدمات ال «برودباند» الثابت في الإمارات وقطر، مثلاً، نسبة 90 في المئة من المستهلكين، وسجل عدد مستهلكي خدمات ال «برودباند» الجوالة في الإمارات، مثلاً، نسبة 60 في المئة». وتتناظر النسب المذكورة مع النسب المحقَّقة في الأسواق العالمية، مثل أسواق المملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة واليابان وكوريا. لكن هذه الأسواق حققت تحولاً هائلاً نحو استخدام الصحف الرقمية، بخلاف دول مجلس التعاون الخليجي وبلدان الشرق الأوسط التي لا تزال تنتشر وتزدهر بها صناعة الصحف المطبوعة حتى الآن. ولاحظ تقرير ل «بوز آند كومباني»، ارتفاع مبيعات الصحف اليومية المطبوعة في الإمارات في السنوات الأخيرة. وعزا لحام، عدم نجاح التوقعات الى ثلاثة أسباب، «أولها نقص في المحتوى الإخباري الجذاب على المنصات الرقمية، وانخفاض معدل تغلغل الهواتف الذكية والحاسبات المحمولة في السوق في المنطقة، بالإضافة الى المشاكل المتعلقة بسرعة خدمات ال «برودباند» الثابت وطاقتها الاستيعابية». وتوقع خبراءُ تلاشيَ المشاكل الثلاث بدرجة كبيرة خلال السنوات القليلة المقبلة. وقال لحام: «في ما يتعلق بالمحتوى، نجد أن مصادر الأخبار الرقمية المجانية ذات النوعية العالية في المنطقة غير كافية لتشجيع القراء على تغيير عاداتهم وتخليهم عن الصحف اليومية المطبوعة، خصوصاً تلك المصادر التي تغطي الأخبار المحلية والوطنية، وذلك جراء استمرار سيطرة الصحف المطبوعة بدرجة كبيرة على الأخبار المحلية والوطنية، فيما تفتقر غالبية تلك الصحف الى وجود قوي على المنصات الرقمية». لكن لحام لفت الى ان الأمر عرضة للتغيير، على اعتبار ان «شركات الأخبار العالمية مثل شبكة CNN وال BBC و «الجزيرة» و «العربية»، توفر بالفعل أخباراً دولية وإقليمية مجاناً من خلال مواقعها الإلكترونية العربية ذات الجودة العالية». وعلى رغم أن هذه الشركات لا تغطي الأخبار المحلية والوطنية بالزخم الذي يتطلبه القارئ، إلا أنها قد تفعل عما قريب، سواء من خلال عقد اتفاقات بث مع شركات الأخبار المحلية، أو حتى من خلال الأساليب الصحافية الحديثة التي تجعل من المواطن مراسلاً للوسيلة الإعلامية Citizen Reporting. ونتيجةً لذلك، لن يكون أمام ناشري الصحف المطبوعة مجال سوى منافسة المصادر الإخبارية الرقمية مباشرةً على المنصات الرقمية لاستقطاب القراء المعنيين بالأخبار المحلية والوطنية. وأكدت مصادر إعلامية ل «الحياة»، أن الاضطرابات السياسية في المنطقة، والتي حدت من كثافة وجود القنوات الفضائية على الأرض بسبب قمع الصحافيين من قبل السلطات، وتنامي دور المواطن العادي في نقل الاخبار والصور ونقلها عبر المواقع الاجتماعية أو إرسالها الى الصحف الالكترونية، من شأنه دعم دور الصحافة الرقمية. وأكد تقرير «بوز آند كومباني»، ان وسائل التواصل الاجتماعي ستمارس دوراً في تحفيز انتشار مصادر الأخبار الرقمية من خلال توجيه القراء نحو البحث عنها، فقد وصل عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 5 ملايين مستخدم، وكثيرون منهم يستخدمون الموقع كمركز تجميعي للمحتويات المختلفة، مثل الروابط للمقالات والموارد الرقمية الأخرى. وفي الواقع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي من المحركات الرائدة لحركة تداول الأخبار على الإنترنت، ما جعلها في وضع تنافسي مع مواقع البحث الأخرى. وعلى مستوى العالم، أصبح موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» على قائمة المواقع المحركة للبوابات الإلكترونية الأساسية لتناقل الأخبار والتسلية، وتزداد شهرته يوماً بعد يوم. وفي ما يتعلق بالتحول البطيء للمحتوى الرقمي، أكد التقرير انه يعود الى انخفاض تغلغل الأجهزة المحمولة الذكية في السوق في المنطقة، والتي تمثل المحركات الأساسية لاستخدام الأخبار الرقمية، بحيث تبلغ نسبة مستخدمي الهواتف الذكية في الإمارات، مثلاً، 15 في المئة من المستهلكين، فيما بلغت نسبة استخدام هذه التقنيات 50 في المئة من المستهلكين في الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية. وأشار الى ان هذه العناصر عُرضة للتغيير أيضاً لأن الشرق الأوسط يعَدّ من الأسواق السريعة النمو في ما يتعلق بتغلغل الأجهزة المحمولة، إذ زادت مبيعات الهواتف الذكية خلال العام 2010 أكثر من 121 في المئة مقارنة بالعام 2009.