أصبحت قضية المعلمات المغتربات قضية مأسوية متجددة، ولم تعد تخلو بعض البيوت من هذا «الهم الجاثم»، فكم من خريجة تنازلت عن وظيفتها بسبب بعد مدرستها عن مقر سكن أسرتها، أو منعها ولي أمرها من «حلم حياتها» بعد أن جاء تعيينها في قرية بعيدة ونائية، واتعظ بغيره ممن سمح لابنته أو زوجته أن تقطع القفار ذهاباً وجيئة إلى أن تلقفها القدر ب«حادثة مرعبة»، فيما طالب كثير من المعلمات المغتربات بإعادة فتح باب التبادل بموقع رسمي تشرف عليه وزارة التعليم، ويشترط فيه شروطاً معينة، منها: أن يكون التبادل بالتخصص نفسه، وأن يشرف على «التبادل» مشرف لكل قسم يرتب التبادل بسلاسة، ومن دون تعكير صفو العملية التعليمية، أو إرباك الإدارة والإشراف بكل منطقة، وأيضاً البعد عن الواسطة. وتحدثن معلمات مغتربات ل«الحياة» عن مآسيهن وهمومهن، وقدمن رؤى واقتراحات تخفف من وطأة الحاجة إلى الوظيفة، وصعوبة عملية النقل في الوقت الراهن، بحيث طالبن بالتغاضي عن الحصة الأولى والأخيرة، وأن تعامل معاملة خاصة تفرق عن معاملة أهل البلد، وألا تكلف بأي أنشطة إضافية، وأن تعفى من حصص الانتظار والمناوبة، فعناء الطريق يكفيها. كما أن لسنوات الخبرة هاجساً آخر، وذلك بأن تجمع سنوات الخبرة للمعلمة المغتربة كل سنة بسنتين، كما يصرف لها بدل غربة إضافي، وبدل نقل للمواصلات، فهي ومعلمة أخرى في المنطقة نفسها تتقاضيان الراتب نفسه، ولكن يضيع ربع راتبها على النقل، وأيضاً تضيع طاقتها وصحتها بلا مقابل، إضافة إلى إلغاء المنظومة التي أرهقت المعلمة بالتوثيق. وأوضحت المعلمة نوال القحطاني أن حركة النقل الخارجي أو الداخلي لم تشمل الجميع في كل الأعوام الماضية، وقالت: «أرهقنا راتب السائق، والخادمة، واستنزف رواتبنا، كما أتعبنا ما رأينا بأعيننا من حوادث لمعلمات زميلات لنا، ما أثّر بشكل سلبي في نفسياتنا، وبعد الانتظار الطويل نُصدم بنتيجة النقل (لم تنقل)». كما تضيف المعلمة نورة العودة: «مع مرور سنوات انتظار النقل والسفر يومياً بمسافات طويلة أصيبت بعض زميلاتنا بآلام في الركب، وآلام في فقرات الظهر من طول الجلوس لساعات طويلة في مقعد الحافلة، ونحن مجبرات على السفر يومياً؛ لعدم وجود مكان مناسب للسكن، ومنا من يرفض زوجها أن تسكن وحدها، ناهيك عن عدم توافر الحد الأدنى من الخدمات في تلك القرى الصغيرة». فيما أشارت المعلمة سلمى الشمري إلى أن قضية المعلمات المغتربات مأساة حقيقية تتجدد وتتمدد باستمرار، ولم تنجح كل الحلول الموقتة والطارئة، إضافة إلى ما يترتب على هذه المأساة من ارتفاع كلفة السكن والمواصلات والتنقل، ناهيك عن الخسائر والأضرار الجسدية والصحية والنفسية، وغياب الأجواء الاجتماعية والأسرية، بينما تساءلت المعلمة هيفاء الشمري: «هل تُعتبر قضية المعلمات المغتربات، والتي تُشكل ظاهرة خطرة في مجتمعنا، أكبر من قدرات وإمكانات وطموحات وزارة التعليم»؟ في حين ذكرت المعلمة خلود السويحل أنه تم تعيينها في إحدى المناطق النائية في الجنوب بعيداً عن زوجها وأطفالها في القصيم، مشيرة إلى أنها تضطر إلى قطع جبال وأودية حتى تبلغ المدرسة التي تعمل بها، وتتمنى أن تنقل على أقل تقدير في مدينة آمنة متوافرة بها جميع الخدمات. إلى ذلك، تقول آمال السيد: «أنا مغتربة من محافظة جدة، فحاجتي إلى الوظيفة أجبرتني على تحمل المعاناة إلى منطقة شرورة من دون إخبار أهلي بوضعي المأسوي من ناحية السكن والمعيشة». فيما اقترح أكثرهن بقولهن: «لماذا لا يطبق نظام تقسيم الدوام والجداول المدرسية على كل مغتربة تقطع أكثر من 100 كيلو متر عن منزلها، بغض النظر عن مكان وجود مدرستها، فيكون دوام مجموعة الأحد والإثنين، ومجموعة أخرى الثلثاء والأربعاء، ومجموعة أخرى الأربعاء والخميس، فيصبح دوام المعلمة ثلاثة أيام فقط في الأسبوع، ولا تتعطل المدرسة ولا المناهج. وفي حال وجود ظروف النقل أو ظروف جوية كغبار أو أمطار، تعفى المعلمة بشكل نظامي من الدوام هذا اليوم ويحسب غيابها بعذر، بسبب هذه الظروف الطارئة عليها، مع معادلة أيام الإجازة الاضطرارية إلى 10 أيام كسابقها، والهاجس الأهم إنشاء مباني سكنية من الوزارة ويخصص لها حراس أمن وسائقين على حساب الوزارة، بحيث تكون مهيأة لسكن المعلمات ومتوافرة فيها جميع المرافق، مع تسهيل ندب محرم المعلمة، بحيث يندب من عمله إلى المنطقة التي تعمل بها المعلمة إلى أن يتم نقلها». وقالت مجموعة منهن: «نحن كمعلمات مغتربات نتمنى أن نراعى في الحضور الصباحي المبكر من أجل الحصة الأولى، فنسابق السيارات من أجل الوصول، وأيضاً نعاني من ضغط الأنشطة، ومن الخوف في الأيام التي يكون الجو فيها ماطراً أو غباراً، ومع ذلك لا نجد من يراعينا، وأيضاً غيابنا في حال تعثر المواصلات، (كمرض سائق أو عطل سيارة) لا بد وأن ينظر في أمره»، إلى ذلك، أكد المتحدث باسم وزارة التعليم مبارك العصيمي أن الوزارة تجري سنوياً حركة خارجية تحاول فيها تحقيق رغبة النقل لأكبر عدد ممكن من المعلمين والمعلمات، ووفق المتاح، وتجري إدارات التعليم حركة أخرى داخلية تعالج فيها قدر الإمكان طلبات النقل، مشيراً إلى أن الوزارة من مسؤولياتها ومهماتها الرئيسة توفير حاجات المدارس من المعلمين والمعلمات بجميع التخصصات، وأينما كان موقع المدرسة.