تواصلت في مقر الاستخبارات العامة المصرية في القاهرة المباحثات والحوارات بين وفدين رفيعي المستوى من حركتي «فتح» و «حماس»، لوضع آليات تنفيذ لاتفاق القاهرة الموقع في الرابع من أيار (مايو) 2011. وعمل مسؤولو ملف فلسطين في الاستخبارات العامة المصرية، بعدما افتتح رئيس الجهاز الوزير اللواء خالد فوزي جلسة الحوارات، ساعات طويلة مع الوفدين لجسر الهوة بينهما وتقديم اقتراحات عملية ما ساهم في تحقيق بعض التقدم. وتجري الحوارات في سرية تامة خلف أبواب مغلقة بعيداً من أعين الصحافيين ووسائل الإعلام، في وقت يتابع فيه الفلسطينيون، خاصة في قطاع غزة، أي معلومات، مهما كانت ضئيلة، أملاً في أن ينجح الفصيلان، هذه المرة، في إنهاء انقسام طال أكثر من عشر سنوات. ونفت مصادر فلسطينية مقربة من حوارات القاهرة المعلومات، التي تناقلها بعض وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، مفادها أنه تم التفاهم على معظم الملفات والقضايا العالقة. وأشارت المصادر ل «الحياة» إلى أنه تم بحث عدد من القضايا، فيما تم التركيز على حل أزمة نحو 42 ألف موظف عيّنتهم حركة «حماس» عقب سيطرتها الكاملة على القطاع وإدارته منفردة منذ وقوع الانقسام في 14 حزيران (يونيو) 2007. ولفتت إلى أنه «تم تشكيل لجنة مشتركة من ممثلين للحركتين، إلى جانب ممثلين عن حكومة التوافق الوطني لحل أزمة الموظفين، وفقاً لاتفاق القاهرة والورقة السويسرية للحل». وأكدت المصادر أن حركة «حماس» توجهت إلى القاهرة «ولديها قرار داخلي، لا رجعة عنه، بتسليم كل قطاع غزة للرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية، وتمكين حكومة التوافق الوطني برئاسة رامي الحمدالله من العمل بمنتهى الحرية في القطاع، بما فيها المعابر والأمن والضرائب من دون أي تدخل من قبلها». كما أكدت أن «لدى الحركة قراراً بأن تبقى كتائب القسام (الذراع العسكرية للحركة) تحت الأرض»، في إشارة إلى آلاف الأنفاق التي بنتها خلال السنوات العشر الأخيرة، التي تمثل قطاع غزة آخر تحت الأرض، و «عدم الظهور فوقها إطلاقاً، إلا في حال وقع أي عدوان إسرائيلي على القطاع». ووصفت المصادر أجواء الحوار بأنها «إيجابية وجدية»، وسادها «التفاؤل والأمل»، وجرت في «جو أخوي»، وأن «الطرفين تحليا بالمسؤولية والتفاؤل». «حماس»: الأجواء إيجابية وقال المتحدث باسم حركة «حماس» فوزي برهوم ل «الحياة» في غزة، إن جلستي اليوم الأول «تناولت قضايا وملفات مهمة متعلقة بالمصالحة الفلسطينية وبأزمات قطاع غزة». ووصف الأجواء بأنها «كانت إيجابية، والكل عنده شعور بالمسؤولية تجاه ضرورة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإنهاء الانقسام». وأوضح أن «الأجواء تدعو إلى التفاؤل، والكل يدفع باتجاه التوافق على الملفات والقضايا كافة المتعلقة بالمصالحة». وأضاف برهوم أنه «بالإمكان اليوم (أمس) خلال استكمال الجولة الثانية، المراكمة على ما تم في اليوم الأول». وأوضح أن من بين الملفات التي نوقشت «ملف الموظفين والأمن وموضوع المعابر»، مضيفاً أن «النقاش سيُستكمل اليوم (أمس) حول حكومة الوحدة الوطنية، وسيتم استكمال النقاش فيه مع الفصائل الفلسطينية الأخرى التي ستدعوها مصر، لأن هذا الملف يهم الجميع أيضاً». وكان المسؤولون في الاستخبارات العامة المصرية نجحوا الشهر الماضي، في إقناع طرفي الانقسام بعقد جولة جديدة من الحوارات في القاهرة، أثمرت الأسبوع الماضي زيارة رئيس الحكومة رامي الحمدالله والوزراء قطاع غزة. وتسلمت الحكومة، بحضور اللواء فوزي وطاقم رفيع من الاستخبارات المصرية، الوزارات والهيئات الحكومية في قطاع غزة خلال زيارة الحمدالله. وفي أعقاب انتهاء حوارات الثلثاء، التي عقدت خلالها جلستان، صباحية ومسائية، عبّر الوفدان عن ارتياحهما لنتائج اليوم الأول من الحوارات. بيان مشترك وقالت الحركتان في بيان مشترك تلقت «الحياة» نسخة منه، إنه «انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية الوطنية، واستجابة لتطلعات الشعب الفلسطيني في إنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وتلبية لدعوة كريمة من جمهورية مصر العربية، عقدت حركتا فتح وحماس الجلسة الأولى للحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة». وتقدمت الحركتان «بالشكر والامتنان للقيادة المصرية لرعايتها جهود إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، التي اتُخذت أولى خطواتها بحل اللجنة الإدارية في قطاع غزة، وبدأت حكومة الوفاق الوطني تولي مهامها في القطاع». كما تلقى هنية اتصالاً هاتفياً في ساعة متقدمة من ليل الثلثاء- الأربعاء من نائبه العاروري، وضعه في صورة تفاصيل حوارات اليوم الأول. وقال مكتب هنية في تصريح صحافي، إن هنية عبّر «عن ارتياحه للأجواء السائدة ولما استمع إليه من معطيات»، مشيداً في الوقت نفسه «بموقف الأشقاء المصريين ودورهم في إدارة الحوار». وأكد بدران أن حركة «حماس» تعمل وأمامها هموم الشعب الفلسطيني ومطالبه. روح بناءة رغم الصعوبات وفي القاهرة، توقع مسؤول فلسطيني قريب من المحادثات التي تفرض عليها القاهرة تعتيماً إعلامياً، تمديد المفاوضات يومين إضافيين حتى الجمعة. ورصد المسؤول، الذي تحدث ل «الحياة»، صعوبات «لكنها ليست مستعصية في ضوء الروح البناءة السائدة» و «دعم قادة الحركتين»، التي «تتطلب وقتاً إضافياً، كما تستدعي تدخل الراعي المصري لطرح حلول توافقية». وشدد سفير فلسطين لدى مصر ومندوبها الدائم في جامعة الدول العربية جمال الشوبكي، على أن الرئيس محمود عباس أصدر توجيهاته لوفد حركة «فتح» ب «بذل كل جهد ممكن من أجل تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام». وقال الشوبكي في تصريح صحافي أمس على هامش حوارات القاهرة، إن الرئيس عباس «أكد أن اجتماعات القاهرة فرصة تاريخية لتحقيق المصالحة الوطنية، ويجب استغلالها وعدم تفويتها، لأنها ستخدم مصلحة شعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة». وأشار إلى أن عباس «على تواصل دائم مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حول الجهود التي تقوم بها القيادة المصرية لإنهاء ملف المصالحة والعمل على حل القضايا كافة، التي تعرقل إنهاء الانقسام، وعلى رأسها تمكين حكومة الوفاق الوطني في قطاع غزة». وشدد على ضرورة حل القضايا الخلافية على أساس القانون الفلسطيني. وفي رام الله، كشف مسؤولون في حركتي «فتح» و «حماس» أن حوارات القاهرة «تقترب من التوصل إلى اتفاق حول ملفات عمل الحكومة في قطاع غزة». وقال مسؤول رفيع مقرب من الحوارات، إن «الوفدين وضعا في اليوم الأول من الحوار، الأساس لجميع ملفات عمل الحكومة، وإنهما يعملان على البناء عليه». لجان مشتركة وأضاف المسؤول أنه «تم الاتفاق على تشكيل لجنة ادارية وقانونية لتسوية ملف الموظفين، وجرى الاتفاق على تشكيل لجنة لنقل إدارة المعابر إلى الحكومة، وعلى تشكيل لجنة أمنية مشتركة برئاسة مصر، للعمل على إعادة دمج أجهزة الشرطة والأمن». ويتم التباحث في شأن الفترة الزمنية اللازمة لعمل اللجان الإدارية والقانونية والأمنية، التي ستنقل الصلاحيات إلى الحكومة بعدما تفرغ هذه اللجان من عملها». وناقش الوفدان أيضاً «خيارات عدة في شأن الحكومة، من بينها إجراء تعديل وزاري، أو إقامة حكومة وحدة وطنية جديدة، أو تولي الرئيس عباس رئاسة حكومة جديدة». وقال إن «الملفات الأخرى، مثل الشراكة في منظمة التحرير والانتخابات والمجلس التشريعي والتشكيلات العسكرية وغيرها، تم ترحيلها إلى المرحلة التالية». وقال الناطق باسم «فتح» أسامة القواسمي، إن «الوفدين يبحثان آلية عمل الحكومة إلى جانب كل ملفات الانقسام». وأضاف أن «هناك أموراً تم التقدم فيها مئة في المئة، وهناك أمور تم الاتفاق عليها جزئياً، ونسعى إلى التوصل إلى اتفاق تام». ورجّح اختتام الاجتماعات اليوم الخميس، مشيراً إلى أن بياناً سيصدر عن الوفدين فور انتهاء الاجتماعات. وقال: «قطعنا مسافة لا بأس بها والأمور إيجابية». وقال مسؤول في «حماس»: «نحن مَرِنون جداً في كل ما يتعلق بملفات عمل الحكومة، ونود أن نرى الحكومة تتولى إدارة مؤسساتها في غزة اليوم قبل الغد». وأضاف: «قدّمنا كل التسهيلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق، والأمور تسير حتى الآن على ما يرام». وطالب وفد «حماس» بإلغاء الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطة في قطاع غزة»، لكن وفد «فتح» رد بأن «هذه القرارات صادرة عن الرئاسة، وأنه سيعود إلى الرئيس في شأنها». وأضاف: «طالما أن الأمور تسير في شكل إيجابي، فإننا نتوقع إلغاء هذه الإجراءات في الفترة القريبة». وكشف مسؤولون في الحركتين عن «أفكار خلاقة قدّمتها مصر لإدارة الملف الأمني في غزة في المرحلة التالية، لمراعاة الأوضاع الخاصة في غزة». لكن التوصل إلى اتفاق لا يعني انتهاء الانقسام، ذلك أن الطرفين توصلا في السنوات العشر الماضية إلى سلسلة اتفاقات، لكنهما كانا في كل مرة يختلفان على التطبيق، ما أدى إلى استمرار الانقسام. وقال مسؤول قريب من الحوارات إن «المسألة مرتبطة إلى حد كبير بالنيات، فإذا كانت النيات جدية لإنهاء الانقسام، فإن الفرصة مواتية تماماً، وإذا كانت لدى أي طرف نية للانسحاب، فإنه سيستغل أي خلاف حول أي شأن وينسحب». كما أن «تأجيل الملفات إلى المراحل اللاحقة قد ينطوي على مخاطر الاختلاف، وتالياً انهيار الاتفاق الجديد». وفي حال الاتفاق على ملفات عمل الحكومة، ستدعو مصر جميع الفصائل إلى القاهرة «للتحاور في شأن منظمة التحرير والانتخابات العامة وحكومة الوحدة الوطنية والمجلس التشريعي وغيرها، في غضون أسبوعين». يقود نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري، إلى حوارات القاهرة، وفداً رفيعاً من أعضاء المكتب السياسي، في مقدمهم رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، ونائبه خليل الحية، وموسى أبو مرزوق، وحسام بدران، وعزت الرشق، وممثل (سفير) الحركة لدى القاهرة المقرب جداً من السنوار روحي مشتهى. ويقود وفد «فتح» عضو اللجنة المركزية عزام الأحمد، وأعضاء اللجنة روحي فتوح، وأحمد حلس، وحسين الشيخ، ونائب أمين سر المجلس الثوري فايز أبو عيطة، والناطق باسم الحركة أسامة القواسمي، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة الفلسطينية اللواء ماجد فرج. وفتحت السلطات المصرية معبر رفح، وهو المنفذ الوحيد لسكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، المغلق بشكل شبه دائم، استثنائياً لسفر الوفد الفلسطيني من غزة.