نظمت حركة الإعلام الإيجابي جلسة حوارية، حول مستقبل الصحافة والإعلام في مصر، طُرحت خلالها محاور تهدف إلى مناقشة وتقديم مقترحات وحلول، بغية مساعدة الهيئات والمؤسسات الإعلامية إلى «المساهمة في الوصول إلى إعلام تنويري ينحاز إلى قيم الحرية والعدالة». وتقيم «الحركة» صالوناً ثقافياً شهرياً يهتم بشؤون الصحافة والإعلام لخلق نموذج إعلامي أفضل، وناقش الصالون الأخير مجموعة من المحاور المهمة في الإعلام المرئي والمطبوع بينها دور القوانين والتشريعات الحاكمة، ودور المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام في دعم العمل الإعلامي، إضافة إلى دور مؤسسات الدولة في توفير أجواء إيجابية لضمان حرية الحصول على المعلومات. وشارك في الجلسة عدد من العاملين في قطاع الإعلام والصحافة في مصر، بينهم الصحافي في الأهرام جمال زايدة والإعلامي أحمد الصاوي وأستاذ الإعلام في الجامعة الأميركية ميرفت أبوعوف والمذيعة التلفزيونية سمر نجيدة والكاتب الصحافي عبد الجواد أبوكب، ومن التلفزيون المصري جيهان توفيق، وأدار دفة الحوار مؤسس حركة الإعلام الإيجابي الإعلامي سمير عمر. واستهل زايدة الحديث لافتاً إلى أن نقابة الصحافيين المصريين تقاوم بشدة انضمام العاملين في الحقل التلفزيوني والإذاعي إلى عضويتها، وهو ما يراه خطأ بالغاً، إذ ينبغي اعتبار كل من يعمل في «غرفة الأخبار» صحافياً. وأشار إلى أن مهمة الإعلام هي «إعداد التقارير»، وليس «صحافة التعبئة» عبر خروج المذيعين للإدلاء بآرائهم وإلا تحولوا إلى معلقين، وثمة معايير مهنية تطبقها مؤسسات إعلامية دولية كبرى ينبغي محاكاتها ومتابعة أداء إعلامييها. في خدمة الاجندات ولفت زايدة إلى أن الممارسات الإعلامية غير المهنية في الإعلام المصري نتج منها عدم قدرته على التطور، إذ يجري توجيه السياسة التحريرية في الصحف والشاشات لخدمة أجندات محلية ودولية. وفي إطار الحديث عن حرية التعبير، قال إنه «لم يعد هناك فارق بين إعلام الدولة وذلك التابع للقطاع الخاص، إذ تم إخضاع الأخير إلى المعايير ذاتها من حيث المحتوى، ما انعكس على غياب السياسة عن الإعلام المصري، فالآن لا حديث في السياسة بل تحول إلى التسلية والترفيه، لكن إذا لم يجد الجمهور السياسة في وسائل الإعلام، فسيبحث عنها في وسائل أخرى وبينها قنوات أجنبية، خاصة أن سوق الإعلام تقوم على العرض والطلب، وثمة دول عدة مهتمة بمخاطبة الرأي العام العربي، مثلاً روسيا لديها قناة ناطقة بالعربية، وكذلك بريطانيا وفرنسا وحتى الصين». وتطرق زايدة إلى كيفية وإمكان التوفيق بين خطورة هذه المرحلة التي تواجه فيها الدولة والمجتمع إرهاباً شرساً، وكيفية الحفاظ على حرية التعبير وتعددية المؤسسات الإعلامية، وهي إشكالية بحاجة إلى حل، لافتاً إلى أن أزمة التكيّف مع الإعلام الرقمي، لا سيما أن الجماعات المناوئة للدولة التي تلجأ للعنف ورفع السلاح تجيد استخدام «الإعلام الرقمي» وتتفوق على إمكانات الدولة. وقال الصاوي إن ثمة فارقاً بين أن تتخذ المؤسسة الإعلامية نسقاً للكتابة وأن تلتزمه، إضافة إلى الإشكالية الأساسية وهي التنازل عن معايير الجودة الإعلامية، ما أدى إلى كثير من المشكلات، وبينها التنازل عن توافر المعايير المهنية في المذيع، فصار أي شخص يرى نفسه صالحاً أن يكون مذيعاً. ولفت إلى إشكالية أخرى تتعلق بانقسام الجمهور إلى معسكرات، فلم يعد هناك من يشاهد التلفزيون أو يقرأ الصحيفة لاستيضاح الحقائق، بل يذهب إلى الشاشات التي تؤكد قناعاته المسبقة والمطلقة. لذا، فعلى المهتمين بالمهنة تدريب الجمهور على الفرز والانتقاء وعدم الانسياق وراء بعض الذين يحاولون تحويل المشاهدة إلى مكاسب وإعلانات. ولفت الصاوي إلى أن بعضهم وصل إلى نظرية «هجاء الجمهور»، لكونه جزءاً من عملية الإفساد الموجودة على الساحة الإعلامية. وارتأى أن الإصلاح يكمن في أن يعي الجمهور الفارق بين الجيد والسيء، فيما ينبغي على القائمين على الإعلام انتقاء الخدمة المقدمة للمشاهد من دون الالتفات إلى غضب القارئ ومقاطعته للوسيلة الإعلامية، مشدداً على أن الإعلام منوط به تنوير الجمهور. وقالت أبوعوف: «وصلنا إلى مرحلة أن ما يجري تدريسه في كليات الإعلام المصرية لا يجده الطالب على أرض الواقع بعد التخرج، من حيث المهنية والحيادية أو الأسس الإعلامية القائمة على الانتماء والإرتقاء بكل شيء، سواء اللغة أو الأخلاق والمواطنة وتقبل الرأي الآخر والسماح بالاختلاف. وأوضحت أنها ضد الرقابة، لكن في الوقت ذاته تشير إلى أن الإعلام صارت تسوده فوضى عارمة. وحول البيئة المحيطة بالإعلامي ومدى تأثيرها فيه وأيضاً ما يتعلق بنمط الملكية لوسائل الإعلام وكيف يؤثر في أداء المؤسسة، تحدث أبوكب قائلاً: «ثمة أزمة في الوسط الإعلامي هي غياب الانتماء والقدوة المهنية، فالإشكالية لم تعد الاحتراف فقط، بل امتد الأمر إلى الانتماء والتصنيف الذي يعانيه الإعلام. وقال إن بعضهم يناضل نضالاً مزيفاً عبر الشاشات، واعتبر أن العمل في مهنة الإعلام من أجل كسب العيش فقط هو ما أدى إلى تسيّد الموظفين المهنة على الصحافيين ففشلت تجارب عدة، وثمة تحفظ على كثيرين ممّن يدرّبون الإعلام، لأنهم يدرّسون الإعلام التشويقي وليس التنموي، كما أن كثيراً من العاملين في المجال الإعلامي لا يتلقون التدريب من الأساس، ولا يحصلون على رواتب مجزية تعينهم على العيش. لذا، جرى الاختراق الممنهج للمهنة عبر دخول رجال الأعمال والرموز السياسية إلى السوق الإعلامي، وثمة رموز ذبحت عن طريق الإعلام في قضايا حقيقية، ما أدى إلى الوصول إلى مناخ سيء وغير صالح للعمل المهني، لكن ما زال ممكن الإصلاح لأنه ما زال هناك إعلاميون يتمتعون بالمهنية». ضغوط وخرجت جلسة النقاش بمجموعة من التوصيات صاغها مدير الجلسة سمير عمر، وبينها ضرورة توافر المعلومات وحرية تداولها، لا سيما لأولئك الإعلاميين الراغبين في تغطية نشاطات المؤسسات الحكومية، والتركيز على أهمية العنصر البشري، سواء عبر آليات التعليم التقليدية واختبارات القدرات والقبول، أو مهارات التدريب التي ينبغي على النقابات العمل عليها، وعلى الصحف القومية والخاصة أن تدرك أهمية الاستثمار في العنصر البشري ورفع كفاءته. وأوصت الجلسة أيضاً بضرورة رفع إمكانات وقدرات المنظمات، ومنها نقابتا الإعلاميين والصحافيين، وإدراك أهمية توفير بيئة عمل إيجابية تليق بآدمية العاملين في تلك القطاعات، كي يتمكنوا من ممارسة عملهم من دون ضغوط أو الاضطرار إلى التورط في ممارسات غير أخلاقية تعوق استقلال العمل الصحافي، ومنها قبول الرشوة أو الهدايا. وأضاف عمر أن «العلاقة بين الجمهور العام والمتلقي جدلية ويحكمها التأثير والتأثر بين الطرفين، وينبغي عدم السماح للمشاهد بأن يأخذ المؤسسات الإعلامية بعيداً من الممارسات الصحافية الصحيحة، مع عدم الانقطاع عن تلبية رغبات المشاهد عبر إعلام خدمة عامة يتيح له ما يحتاج إليه من خدمات صحافية وإعلامية. ومن بين التوصيات ضرورة أن تطرح الدولة حلولاً ناجعة وناجزة لمبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون «ماسبيرو»، عبر آليات تطوير حقيقية تهتم برفع سقف الحرية داخل المؤسسة العريقة، وكذلك تدريب عناصره عبر مؤسسات محلية أو دولية. وتعلقت إحدى التوصيات بدعوة الإعلام المرئي والمسموع إلى الاهتمام بتقديم أشكال الدعم كافة للمجتمع المدني، والتعامل مع الإعلام باعتباره أحد مصادر القوى الناعمة في مصر، جنباً إلى جنب مع السينما والدراما التلفزيونية والمسرح. وأخيراً، أهمية أن تخلق الجماعة الصحافية، سواء عبر المنظمات أم المبادرات الفردية، أنواعاً جديدة من مواثيق العمل، لا سيما المتعلق منها ب «نسق الكتابة» وابتداع آليات لما يمكن وصفه ب «القطيعة الإعلامية» لكل من يأتي بممارسات لا تتفق وقواعد العمل الصحافي والإعلامي، في شكل عقاب للمتورطين فيه.