حذر المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الشماتة والفضيحة والاستهزاء بالمخطئين، كما نبه إلى أن الذم والقدح في حق رجال الحسبة، أمر محرم شرعاً، بل يجب كما قال: «أن نحبهم ونتعاون معهم ونشد عضدهم وننصحهم فهم ليسوا بمعصومين». ودعا آل الشيخ «الهيئة» إلى تقوى الله والرفق والحلم على من يعالجون مخالفاتهم، وقال: «أرجو من إخواني في الهيئة أن يتقوا الله وأن يسلكوا طريق الرفق والحلم والأناة، الرفق بمن يدعونه وبمن يغيرون ما عنده من منكر، وأن يكون ذلك برفق ولين، المهم إقناع المخالف بمخالفته وأن يفهم ويعلم المعصية والخطأ الذي وقع فيه، هذا هو المهم، فإذا عرف ذلك وبُين له فحري به إن شاء الله أن يترك ما عليه من مخالفة، لذلك على رجال الحسبة أن يبينوا برفق للمخالف المنكر، وأنه مخالف للشرع بأدلة الكتاب والسنة، لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر متى ما بنى أمره ونهيه على علم صحيح نفع، لأن الجاهل قد ينهى عن خير ويأمر بشر، لكن مع العلم والبصيرة يسهل على المحتسب أن يغير المنكر بأن يوصل كلمة الحق إذا نسي ذلك المخالف أو أخطأ، ويكون ذلك برفق ولين». وأكد أنه ينبغي لرجال الحسبة أن يوضحوا للمخالف «أننا ما أمرناك ونهيناك إلا استنقاذاً لك من الشر وحرصاً على هدايتك ومحبة لك وشفقة عليك ورحمة بك، نحن إخوانك نحب لك ما نحب لأنفسنا... إلى آخره، فهذا الأسلوب الحميد والخطاب الجيد أرجو أن يوفق رجال الحسبة للوصول إلى هدفهم وهو تغيير المنكر، وليس الهدف إذلال الإنسان أو السيطرة عليه، لا، المهم إصلاح المخالف». جاء ذلك في حوار للمفتي مع «مجلة الحسبة» الصادرة عن الهيئة، والذي جمع بين تأييد رجال المؤسسة وانتقاد بعض الأخطاء التي يتردد أنهم يرتكبونها بأسلوب غير مباشر، لكنه في الوقت نفسه، أنه من غير اللائق قدح الناس في العلماء والأئمة ورجال الأمر بالمعروف، وذلك أن «القدح فيهم قدح في الخير وانتقاص فيه وسبب لعدم ثقة الناس بهم، ومن الخطير أن يفقد الناس ثقتهم بعلمائهم وأئمتهم وأساؤوا بهم الظن فإن ذلك بلاء عظيم، وكذلك رجال الهيئة يجب أن نحبهم ونتعاون معهم ونشد عضدهم وننصحهم، وهم ليسوا بمعصومين من الخطأ، وإذا وجد خطأ أصلحناه وبينا الحق من الباطل، ولكنا نحميهم من أقوال من لا قيمة له، فإن الله يقول في ذم أولئك، «وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر، يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا»، فأهل الشر يستثقلون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويسأمون منه ولا يحبونه، لأنه يخالف هواهم، ويحول بينهم وبين ما يذهبون إليه من الباطل والفساد». وفرق المفتي بين التسرع في الإنكار، والإخلال بالعمل الموكل إلى الهيئة، وأكد أن «الخور والكسل نقص، والتسرع بلا علم نقص أيضاً، والاعتدال هو المطلوب»، وفسر الاعتدال الذي دعا إليه بأنه يرتكز على أمور» أولها ألا نقدم على تغيير منكر إلا ونحن نعلم أنه منكر، وثانيها ألا يؤدي تغييرنا للمنكر إلى منكر أعظم منه فيزيد البلاء بلاء، وثالثها ألا تحمل الغيرة على الاستهزاء والشماتة والفضيحة، بل نستر ونرحم ونحسن، ونحاول الستر على المخطئ، لأن قصدنا إصلاحه واستصلاحه لا الحط من قدره ولا إذلاله». وحول القول بأن العلماء في السعودية ليس لديهم علم بالواقع، علّق آل الشيخ على ذلك بأن «الواقع يختلف الناس في فهم معناه، فبعضهم يرى الواقع الأمور السياسية البعيدة المدى، وبعضهم يرى الواقع في ما يعيشه الناس من اختلاف في الآراء الفكرية، والحقيقة أن عالم الشريعة حينما يفتي في أي نازلة إنما يفتي بما دلّ الكتاب والسنة عليه، مع تصوّر حقيقة وواقع النازلة وحيثياتها، وفي الكتاب والسنة بيان لكل شيء، فإن الله تعالى يقول: «ما فرطنا في الكتاب من شيء» ولا شك أن معرفة الواقع شرط في المفتي، فإنه لا يمكن أن يفتي إلا بمعرفة الواقع، يقول ابن القيم: «ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع». أما فهم الواقع الذي يراد به أمور أخرى، أو قضايا وتحليلات سياسية بعيدة عن مجال الفتوى وبيان الحكم الشرعي، فمعرفة مثل هذا لا يعتبر أمراً ضرورياً بالنسبة للمفتي والعالم الشرعي». وأما عن «الحرية» التي كثيراً ما يطالب بها المخالفون، فإن المفتي شرح المعتبر منها بأنه «ما كان في حدود ما شرعه الله ورسوله، والحرية لا يجب أن تحملك على ترك واجب ولا على فعل محرم، وإنما رأي تقوله وتنطق به بقصد الحق لا لأجل الخروج على المنهج الصحيح، أو الإثارة والتحريض على ولاة الأمور». وفي شأن تقديم العقل على النقل من جانب البعض، اعتبر آل الشيخ ذلك «منهج المعتزلة وأمثالهم، فهم الذين قدموا جانب العقل على جانب الشرع، وهذا خطأ واضح لا يقره الشرع بحال، والمسلم يتلقى من الكتاب والسنة، ويؤمن بأن العقل له دوره في فهم كتاب الله وسنة رسوله لكن الوحي هو المقدم وهو الأصل، والعقل السليم هو الذي يفهم عن الله مراده وفق قواعد الشريعة وأصولها». «الهيئة» تغازل «البلاك بيري» ولم يقتصر العدد الأخير من مجلة «الحسبة» الفصلية، الصادرة عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على حوارها الموسّع مع المفتي، بل ضم تقارير وتغطيات مهمة، لأبرز أنشطة الحسبة في الأشهر الماضية. لكن أكثر ما بدا مثيراً في العدد، هو طرحه ملفاً عن «بلاك بيري»، عالجته المجلة بشكل موضوعي، يختلف كثيراً عما يشاع عن «الهيئة» من تحيّزها ضد التقنيات الجديدة التي تزيد من صعوبة أداء مهماتها. وفي حين أبرزت الملف تحت عنوان «البلاك بيري اختبار جديد للإرادة»، استعانت في مناقشة القضية ومعالجة إشكالاتها باختصاصيين تربويين واجتماعيين وتقنيين. غير أن ما بدا مثيراً هو ما ختمت به الملف من حديث إيجابي بامتياز عن التقنية الجديدة، في «صفحة كاملة» أشبه بدعاية تحريرية للخدمة التي أثارت الإعجاب والجدل معاً بين مجتمعات عدة. وفي إحدى فقرات التقرير تقول: «البلاك بيري جهاز كفي ذكي لاستقبال وإرسال البريد الإلكتروني مع ميزة الهاتف النقال، ولا يوجد جهاز يتعامل مع البريد الإلكتروني كما يتعامل البلاك بيري، لأن بنيته التحتية مصممة خصيصاً لذلك. فهو دوماً يعمل، لا تحتاج لإطفائه، ولا تحتاج إلى الاتصال بالشبكة اللاسلكية أو الهاتفية كي تقوم بوظيفة على الشبكة، فهو يتصل بشكل ذاتي ويبقى متصلاً...»! ولا يبدو أن هذا آخر مطاف «المرونة» الحديثة من جانب الهيئة في التعاطي مع المتغيّرات الجديدة، ففي اتصال هاتفي مع تقني في الهيئة، أبلغ «الحياة» أنهم يفكرون في الكيفية التي يمكنهم بها توظيف خدمة «البلاك بيري» في إدارة عملهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونبّه إلى أن الهيئة سبقت جهات حكومية عدة في استثمار التقنية الحديثة، وحققت إنجازاً تطويرياً جديداً على صعيد التعاملات الإلكترونية، إذ احتلت الهيئة المركز ال 20 ضمن أفضل عشرين جهة حكومية في نسبة الإنجاز الكلي للتعاملات الإلكترونية وحققت نسبة إنجاز 81,45 في المئة، بحسب القياس الثاني لتقويم تطبيق التعاملات الإلكترونية المعتمد من «يسر».