ادعى الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي وقوف عناصر تنظيم «القاعدة» خلف الانتفاضة الشعبية الليبية التي انحاز إليها وزراء وديبلوماسيون وعسكر انشقوا عن نظام القذافي منذ اندلاعها في 17 شباط (فبراير) الماضي. ويستخدم القذافي هذا الادعاء والتهديد والوعيد في إقناع المجتمع الدولي بالقضاء على المحتجين باعتبار ثورتهم تمرداً إرهابياً. ولوحظ أن العقيد الليبي دأب على الزعم في جميع خطاباته بأن «القاعدة» أشعلت فتيل الفوضى، عبر خلايا «نائمة» وأخرى «نشطة». بيد أن باحثاً في شؤون الجماعات الإسلامية أكد ل «الحياة» أن استراتيجية القذافي تتلخص في إدارة الأزمة خارجياً بإخافة الغرب من سيطرة «القاعدة» على ليبيا، وانتشارها في شمال أفريقيا حيث تتقاطع مصالح القوى الغربية الكبرى. وعمد القذافي إلى توجيه اللوم إلى الثوار الليبيين في مدن شرق ليبيا بأنهم شكلوا خلايا ل «القاعدة»، واستنهضوا همم الشعب لإحداث الفوضى في المناطق الليبية، لا سيما أن الطلعات الجوية التي قام بها الطيران العسكري الليبي، تهدف - بحسب ما جاء في خطابات القذافي الأخيرة - إلى تدمير مخازن الأسلحة قبل أن تسيطر عليها عناصر «القاعدة»، على رغم أن الثوار عززوا صفوفهم بأن انضم إليهم عدد من الوزراء في الداخل، ومعظم سفراء ليبيا في الخارج، وأبرزهم مندوب ليبيا الدائم لدى الأممالمتحدة عبد الرحمن شلقم، الذي طالب القذافي بالتنحي. التخويف ب «القاعدة» ورقة القذافي الأخيرة إذا استمرت المواجهة بينه والثوار الليبيين. وكشفت مصادر ل «الحياة» معلومات مؤكدة عن تعاون الاستخبارات الليبية مع قياديين في تنظيم «القاعدة»، في مناطق تشهد فتناً وصراعات. وذكرت وسائل إعلام ألمانية - استناداً إلي تقارير استخباراتية - أن الاستخبارات الفرنسية تعمل على استغلال نظيرتها الليبية، لتحريك قيادات تنظيم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، من أجل تنفيذ أجندة فرنسية، بغرض الحفاظ على الأمن الداخلي لفرنسا، خصوصاً أن قيادة ذلك التنظيم الإرهابي تضم قيادات في «الجماعة الليبية المقاتلة»، الذين يبلغ عددهم 39 عنصراً، يوجههم أبو يحيى الليبي أحد كبار منظّري الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وأبرز قادة «القاعدة». وأكدت مصادر مطلعة ل «الحياة» أن الاستخبارات الليبية ساعدت تنظيم «القاعدة» في اليمن في عملية التأسيس، من خلال تزويده المال، في مقابل أهداف معينة تم الاتفاق عليها مع قياديين فيه. وأشارت إلى أن زعيم التنظيم اليمني ناصر الوحيشي (أبو بصير) ونائبه السعودي سعيد الشهري - وهما مطلوبان لدى السلطات الأمنية في السعودية واليمن - التقيا عناصر الاستخبارات الليبية مراراً. وقالت المصادر إن عناصر الاستخبارات الليبية كانوا يتحدثون مع عناصر «القاعدة» باسم رئيس الدولة الليبية معمر القذافي، لتأكيد سعة صلاحياتهم في التفاوض معهم ودعمهم المستمر، في مقابل تنفيذ مخططات. ولفتت إلى أن المشاورات بين الطرفين بدأت قبل إشهار التنظيم في اليمن، وأن العناصر الاستخباراتية كانت تتردد في شكل مستمر على المنطقة لإتمام تلك اللقاءات. ورجح الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبوهنية أن الرئيس الليبي يستخدم ورقة تنظيم القاعدة كطوق نجاة، عقب سقوط شرعيته داخلياً وخارجياً، إذ إن الثورة الشعبية الليبية نجحت في تضييق الخناق على نظامه وسيطرت على عدد من المدن الليبية، واخترقت العاصمة طرابلس التي يديرها القذافي وعائلته، بالاستناد إلى العصبية والمرتزقة. وذكر الباحث في شؤون الإرهاب الدكتور يوسف الرميح أن هناك تقاطع مصالح بين سياسة القذافي وتنظيم «القاعدة»، مفاده دعم الدول سياسة القذافي ضد شعبه واستمراره رئيساً لبلاده، أو تكوين بيئة فتن وصراعات في شمال أفريقيا تشرف عليها «القاعدة». وقال الرميح إن خطابات القذافي توحي للدول الأوروبية بأنه الحامي من تنامي سطوة «القاعدة» في شمال أفريقيا، فإذا سقطت دولته ستحل التنظيمات الإرهابية بدلاً منها، ما قد يثير مخاوف تلك الدول من هيمنة «القاعدة» على حوض البحر الأبيض المتوسط. وأشار الباحث أبوهنية إلى أن القذافي يراهن داخلياً على كسب الوقت، وتوجيه ضربات عسكرية عشوائية قاسية، تحمل الثورة الشعبية الليبية على اليأس والإحباط، وتشيع الفوضى في المنطقة، وهو يدرك جيداً أن الفوضى هي الحليف الأبرز لتنظيم «القاعدة» والبيئة المثالية لانتشار عناصره ونجاح عملياته. وأضاف: «هذه الاستراتيجية تبدو فاشلة تماماً، ولا تستند إلى أرضية صلبة وصدقية واقعية. ويبدو أن المجتمع الدولي على وعي كامل بهذه اللعبة». ولفت أبوهنية إلى أن تنظيم «القاعدة» لا يمكن أن يتحالف مع نظام في طريقه للسقوط، «بل إن التنظيم، خصوصاً فرعه في بلاد المغرب الإسلامي، وجه بيانات عدة يناصر فيها الثورة الليبية ويتوعد نظام القذافي». وذكر الرميح أن الاستخبارات الليبية قد تصدر بيانات تحت مسمى «القاعدة»، تعلن فيها عن قرب انتشاره في المنطقة، ودعمها للثوار في شمال أفريقيا، ليشعر الشعب الثائر في ليبيا بالخوف والرعب، وبالتالي تنخفض المسيرات ضد القذافي والهجوم على حكومته. وأضاف: «لا يستبعد أن يعلن القذافي ضبط مجموعة من عناصر «القاعدة» في بنغازي التي يسيطر عليها الثوار، في حين أن الخلايا النائمة التي يشير إليها القذافي لا تعلن عادة عن نفسها بحسب أيديولوجية القاعدة». وأوضح الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أن أسلوب التخويف من «القاعدة» قد ينجح في إقناع المجتمع الدولي بإطلاق يده للبطش بشباب الثورة، وتمكينه من القضاء على الاحتجاجات باعتبارها تمرداً إرهابيا. وأشار إلى أنه لا يستبعد أن يستقطب القذافي عدداً من عناصر «القاعدة» من الخارج للقيام بعمليات إرهابية، لا سيما أن 300 عنصر من «القاعدة» انتهت مدة عقوبتهم ولا يزالون في السجون الليبية. وعن كيفية تعاون «القاعدة» السنية مع القذافي الذي ينتمي للطائفة الباطنية، قال الرميح: «كثيرون من «القاعدة» في إيران، وهي دولة شيعية تؤوي عدداً كبيراً من السنيين الموالين ل «القاعدة»، وهي مسألة تقاطع مصالح أهم من الدين، وبقاء التنظيم الحركي في ليبيا أهم من توافق المذاهب، وهدفهم السياسي ترجح كفته على الدين».