قبل خمسة أعوام دهم شارعنا السعودي شيء اسمه الانتخابات البلدية، لم تكن غريبة على البلد ولا على العالم لكنها بالتأكيد غريبة على جيلين خلقا من دون مجالس بلدية. سمعنا ورأينا وقرأنا عنها، ثم شاركنا، لكننا لم نكن مستعدين، كان هناك من يقف في الخفاء جاهزاً، ينتظر، جهز الشارع لنفسه طوال أربعة عقود، جهزه لنفسه فقط، لم يجهزه للوطن بل «صنعه على عينه» من أجل تحقيق أجندته، كانوا يعلمون أن يوماً ما ستأتي الفرصة، هو درس التاريخ، فالدول مثل أجساد البشر لابد أن ترتخي يوماً ما، لابد أن تنضج في يوم آخر. الحركيون الإسلامويون ينتظرون أقربها، فإذا جاء الموعد قفزوا من كل باب ونافذة، من أجل تحقيق انتصارهم المأمول والحصول عل كرسيهم المفقود، كيف لا يفعلون، وحسن النيات صعدهم فوق كل منبر وفوق كل عقل، جعلهم منتهى القول وأوله، بيدهم الورق الأبيض وبيدهم وصمة العار يلصقونها بمن يشاؤون. وخلال الأسابيع الماضية رأينا كيف فعلوا في مصر، وكيف انقلبوا على حليفهم في اليمن علي عبدالله صالح، وكيف خنقوا الأردن؟ على كل حال، خلال شهرين من تلك الحملات الانتخابية كانت ورقة التخوين هي السائدة، فكل من ليس إخوانياً أو سرورياً، أجهزت عليه بكل أسلحة التغريب والعلمانية والتكفير. بينما في المقابل رفعت القوائم الذهبية دهماءهم ووضعتهم فوق الرؤوس والأعناق، بالطبع فازوا ببيانات أبو ريالين وبيانات الأختام الجاهزة والمعلبة، جيشوا أتباعهم وأخرجوهم نحو الصناديق التي فازوا بها، لكننا خسرنا مدننا وبلدياتنا تماماً. لم نعد نرى سوى بيانات صحافية وصوراً نافسوا بها حتى المطربين ولاعبي الكرة، تسربت المياه من تحت كراسيهم وغرقت الناس في نواحيهم. نهضة عهد الملك عبدالله التنموية قامت في وجود مجالسهم البلدية، لكننا لم نشهد رقابة حقيقية على تلك المشاريع، كل نشاطهم كان منصباً لتوسيع نفوذهم الحركي والانشغال بمنع النساء من حضور اجتماعات المجلس البلدي، والتفاخر بذلك الانجاز في كل موقف وعند كل رأي. كل التسريبات المقبلة من وزارة الشؤون البلدية تقول إن الانتخابات الجديدة مقبلة وقريباً جداً. ولذلك لم يعد في «الجو عيب» فكل الطيف السعودي أصبح واضحاً ومنكشفاً تماماً، لذلك أتمنى أن تكون التجربة المقبلة أكثر ثراءً وتنوعاً، يكون محكها الوحيد الكفاءة والنزاهة، و«الشباب»، إنها فرصة الجيل الجديد أن يثبت أنه قادر على الإسهام في التنمية البلدية، وأن يشارك في الرقابة عليها، وأن يكون جزءاً من صناعتها. أتمنى أيضاً بل أن يعاقب المتضررون من المواطنين تلك المجالس السابقة عديمة الجدوى والفائدة، وأن يحبس أعضاءها في «أضابير المجلس البلدي»، إنه كان هنا عضو مجلس بلدي انشغل بأجندته عن تنمية وطنه، لكنه ذهب بلا رجعة. [email protected]