تصاعد التوتر في إسبانيا اليوم (الأربعاء) مع تعهد رئيس كاتالونيا إعلان استقلال الإقليم خلال أيام، في تحد لإنذار شديد اللهجة وجهه ملك إسبانيا محذراً فيه من تعريض استقرار البلاد للخطر. ووضعت المحاكم الإسبانية قادة الشرطة الكاتالونية والقادة المدنيين المؤيدين للاستقلال رهن التحقيق بتهم «ممارسة التحريض» مع انزلاق البلاد نحو أزمة سياسية هي الأسوأ منذ عقود. واتهم الملك الإسباني فيليبي السادس أمس المسؤولين الانفصاليين في كاتالونيا بأنهم وضعوا أنفسهم «على هامش القانون والديموقراطية»، مشدداً على وجوب أن «تكفل الدولة النظام الدستوري»، في حين تظاهر مئات الآلاف في برشلونة احتجاجاً على عنف الشرطة الاتحادية. في المقابل، صعد قادة كاتالونيا مواقفهم بدفع من الغضب العارم في الشارع الكاتالوني ضد العنف الذي مارسته الشرطة بحق المقترعين في الاستفتاء على الاستقلال الذي أجري الأحد والذي حظرته الحكومة والمحاكم الإسبانية. وأعلن رئيس كاتالونيا كارلس بيغديمونت في مقابلة بُثت اليوم أن حكومته تستعد لإعلان استقلال الإقليم على الأرجح «بحلول نهاية الأسبوع». ومن المقرر أن يتوجه رئيس كاتالونيا بخطاب تلفزيوني اليوم عند الساعة 17:00 بتوقيت غرينيتش. ودعا نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانس اليوم إلى الحوار «بشكل يحترم الدستور» الإسباني بهدف حل الأزمة السياسية الخطرة في كاتالونيا. ويناقش النواب الأوروبيون في ستراسبورغ الأزمة في كاتالونيا. وقال الناطق باسم الحكومة الكاتالونية جوردي تورول، إن السلطات الإقليمية «أشرفت على الانتهاء من فرز الأصوات». وأوضح تورول في مقابلة تلفزيونية أنه سيتم طرح النتائج على البرلمان الإقليمي الذي سيكون أمامه مهلة يومين «لإعلان استقلال إقليم كاتالونيا». ومن شأن هذا التحرك تعميق المواجهة مع الحكومة المركزية في مدريد، التي اعتبرت، على غرار القضاء الإسباني، الاستفتاء غير شرعي. وبموجب المادة 155 من الدستور التي لم يتم تفعيلها بعد يحق للحكومة المركزية أن تجبر إقليماً من أقاليم البلاد على احترام واجباته الدستورية إذا ما انتهكها أو إذا «شكلت خطراً كبيراً على المصلحة العامة للدولة». ولم يدل رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي بأي تعليق منذ الأحد، إلا أن خطاب الملك من شأنه فتح الطريق أمامه لاتخاذ أي إجراء. وقال الملك الإسباني إنه «من مسؤولية السلطات الشرعية في الدولة أن تكفل النظم الدستوري وسير المؤسسات بصورة طبيعية واحترام دولة القانون والحكم الذاتي لكاتالونيا». وشارك مئات آلاف الكاتالونيين أمس في إضراب عام حيث تظاهروا للتعبير عن غضبهم حيال العنف الذي مارسته الشرطة ضد المقترعين في الاستفتاء على الاستقلال الذي أجري الأحد. وعكس خطاب ملك إسبانيا مدى التوتر الذي يسود البلاد. وقال الملك فيليبي إن قادة الإقليم «بتصرفهم غير المسؤول قد يعرضون للخطر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لكاتالونيا ولإسبانيا بأسرها». وكرر نداءات سابقة كان وجهها داعياً فيها إلى التناغم والانسجام بين مكونات المجتمع الإسباني. إلا أن خطابه أمس عقب أعمال العنف التي شهدها الإقليم الأحد قد يؤدي إلى تأجيج الاستياء في كاتالونيا. وقال تورول معلقاً على خطاب الملك «كان سيئاً. كان خطأ من كل النواحي». وأضاف تورول «بدلاً من تهدئة الأمور قام بصب الزيت على النار». ووضع قاض إسباني اليوم قائد شرطة كاتالونيا جوسيب لويس ترابيرو وثلاثة مشتبه بهم آخرين رهن التحقيق بتهم ارتكاب «جريمة التحريض». وتواجه الشرطة الكاتالونية تهماً بعدم كبح جماح متظاهرين مؤيدين للاستقلال قاموا بأعمال شغب في برشلونة الشهر الماضي. وكاتالونيا منطقة صناعية غنية في شمال شرقي إسبانيا يبلغ عدد سكانها حوالى 7.5 مليون نسمة، وتسهم في قرابة 20 في المئة من الاقتصاد الإسباني، ولها لغتها الخاصة وتقاليدها وعاداتها الثقافية. وتراجع مؤشر «إيبكس 35» الإسباني اليوم 2.3 في المئة على خلفية الاضطرابات الأخيرة، فيما تراجعت أسهم بعض المصارف الكبرى في كاتالونيا بأكثر من 6 في المئة. وتعود المطالبات باستقلال كاتالونيا عن إسبانيا إلى قرون من الزمن، إلا أنها عادت إلى الواجهة في السنوات الأخيرة من جراء الأزمة الاقتصادية. وبحسب حكومة كاتالونيا، أدلى 2.26 مليون شخص بأصواتهم، أي ما يعادل أكثر بقليل من 42 في المئة من ناخبي الإقليم، علماً أن الاستفتاء أجري في غياب مراقبين ولاوائح الشطب الاعتيادية. وأعلنت الحكومة الإقليمية أن 90 في المئة من المقترعين أيدوا الاستقلال، على رغم أن الاستطلاعات تشير إلى أن الكاتالونيين منقسمين حيال هذه المسألة. من جهتها قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت «أحزنتنا التقارير» الواردة من كاتالونيا في شأن «إصابة الكثير من الناس بجروح خلال أحداث عطلة نهاية الأسبوع». وأضافت «ما زلنا نقول إننا نشجع جميع الأطراف على أن يحلوا خلافاتهم السياسية من دون عنف وبطريقة تتفق مع القانون الإسباني». في الأثناء دعت مجموعة من الكاتالونيين المعارضين للاستقلال إلى تظاهرة مضادة في برشلونة الأحد. وأعلن الفرع الكاتالوني من «الحزب الشعبي» الحاكم في إسبانيا تأييده للتحرك.