بين الخوف من المستقبل والواقع المبكي يعيشون. لم يعد مهماً لديهم خواء بطونهم، ولا عجزهم عن تأمين الحد الأدنى من الضروريات. إنهم يقاسون الحزن ويشعرون بالضعف والعجز، الفقر بات شريكهم الحقيقي. والدموع وسيلتهم الوحيدة للتنفيس عن أنفسهم، ومع ذلك لا ينفك الحزن مرافقاً لهم. تعيش هذه الأسرة السعودية المكونة من 16 فرداً تحت وطأة العوز والفاقة وقلة الحيلة، في منزل يفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة وفي مقدمها الماء. أسرة أم سليمان تقطن في منزل متهالك من كل جهة، ترى التصدعات في كل مكان تنظر إليه، ولا يوجد فيه سوى مكيف واحد تجتمع تحته الأسرة جميعها للنوم ليلاً، وبلا ماء، لا يعولهم أحد بعد مرض والدهم. تقول أم سليمان: «زوجي كان يصرف علينا، وبعد إصابته بمرض نفسي ترك العمل الذي يمارسه لكسب قوت أبنائه، فهو مصاب بحال نفسية، ومنذ سنتين ساءت حاله كثيراً، فغادر المنزل قبل أشهر وتركنا نصارع الحياة وحدنا»، موضحة أن زوجها لم يتجاوز ال55 عاماً، وكان في صحة جيدة ويعمل، ولكن بعد المرض ترك كل شيء: «ذهبنا به إلى أكثر من مستشفى للعلاج ولكن من دون فائدة تذكر، ونعلم أنه يعالج عند أحد المشايخ في المنطقة الجنوبية، وقبل سفره دهمته حال نفسية صعبة، إلى درجة أنه لا يستطيع معرفة أبنائه». لم تستطع أم سليمان إكمال معاناتها وأجهشت بالبكاء وهي تحتضن ابنتها الصغيرة: «أجسام أطفالي ضعيفة وصحتهم متدهورة بسبب سوء التغذية، ولدينا خمسة أطفال يحتاجون إلى الحليب وأحياناً ينامون وبطونهم خاوية، لم يدخل بيتنا اللحم منذ ستة أشهر، ولا نطبخ إلا ما يأتينا من الصدقات». وتتابع: «على رغم ما أصابنا في هذه الدنيا، فأنه لا توجد بيننا مشكلات أنا وضرتي فالفقر أكبر مشكلاتنا، نتقاسم كسرة الخبز اليابسة، ونقوم بأعمال البيت بالتناوب ولا يوجد شيء لدينا حتى تكون هناك مشكلات». وتلفت الأم الحزينة إلى أن أبناءها متميزون في دراستهم على رغم ما يعانون من قسوة الحياة: «أصغر أبنائي عمره أربعة أشهر، فوالده ذهب ولا يعرف شكل ابنه الصغير، وأكبر أبنائي عمره 16 عاماً ويعمل في حلقة الخضار بأجر يومي 30 ريالاً»، مؤكدة: «باب منزلنا خرب ولا يقفل ونحن نساء وليس لدينا محرم يعتمد عليه، وأخاف على بناتي، وصاحب المنزل فصل الماء ويهددنا بالطرد من المنزل». وتقول فاطمة التي تدرس في الصف الرابع: «صديقتي في المدرسة هي من تعطيني مصروفي اليومي، سبق أن زارتنا هي وأمها وهي تعطيني ريالين يومياً، وأقطع مسافة طويلة حتى أصل إلى مدرستي، ولا أعتقد أن أي بنت سعودية في عمري تمشي ثلاثة كيلومترات كل يوم، في الشتاء أخاف البرد والمطر وفي الصيف لهيب شمس الرياض أحرق جلدي».