دعا رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الحكومة الاتحادية إلى التخلي عن نهجها التصعيدي وعدم غلق باب المفاوضات حول مرحلة ما بعد الاستفتاء على الانفصال، فيما نفذت بغداد أولى إجراءاتها العقابية الفعلية بتعليق رحلات الطيران الدولية إلى الإقليم. وطالب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بارزاني بإلغاء النتائج شرطاً للدخول في حوار وحل المشكلات العالقة بين أربيل وبغداد. وقال العبادي خلال جلسة استثنائية للبرلمان: «لا بد من إلغاء الاستفتاء، والدخول في حوار تحت سقف الدستور (...) لن نتحاور في نتائج الاستفتاء مطلقاً»، وأضاف: «سنفرض حكم العراق في كل مناطق الإقليم بقوة الدستور». واستمرت عملية فرز الأصوات التي أدلى بها الأكراد الاثنين الماضي، ودعت الحكومة المحلية وسائل الإعلام إلى انتظار صدور النتائج، معلنة أن كل ما ينشر من أرقام غير رسمي وغير صحيح، وسط شكوك بوقوع تجاوزات وحالات تزوير. وقال بارزاني في بيان إن «نجاح الاستفتاء انتصار عظيم يعكس قوة شعب كردستان في تقرير مصيره، ولم يسمح بكسر إرادته، نحن نعيش مرحلة جديدة وإنعطافة تاريخية كبيرة لحاضرنا ومستقبلنا»، وحض الحكومة الاتحادية على «الابتعاد عن التشنج والتهديد واحترام إرادة شعب كردستان، فأنتم من صرح بأن التحالف بين الأكراد والشيعة انتهى». وأضاف أن «استمرارنا بالعيش في خضم تجربة فاشلة لن يجدي، تعالوا لنبدأ حواراً جاداً ولنمنح المزيد من الوقت لتفاوض والحوار ولنكن جارين إيجابيين»، وزاد أن «هذا الاستفتاء ليس لفرض الأمر الواقع ولا لترسيم الحدود، بل هو وسيلة مارسها شعبنا ليعبر عن رأيه»، وطالب رئيس الوزراء حيدر العبادي وكل القوى والأطراف السياسية أن «يحتكموا إلى الحوار وأن لا يقفلوا أبوابه لأنه الحل الوحيد، ولن نسمح للخلافات السياسية بأن تؤثر في روح الإخوة بين الشعوب». كما دعا دول الجوار إلى «التعاون لأننا لا نريد إثارة المشكلات»، وطالبها بلعب «دور إيجابي لحل الخلافات بين أربيل وبغداد، ولن تفيد لغة التهديد والتصعيد»، وتابع: «نطمئن المجتمع الدولي إلى أننا مستعدون لبدء مفاوضات جادة لحل المشكلات مع بغداد سلماً»، لافتاً إلى أن «النظام السياسي لدولة كردستان سيقرره الشعب، ونفضل أن يكون برلمانياً فيديرالياً ديمقراطياً مدنياً يراعي حقوق المكونات القومية والدينية». ويزداد القلق في الشارع الكردي من تداعيات الاستفتاء وتنفيذ الدولتين الجارتين تركيا وإيران تهديداتهما بغلق المعابر، بالتنسيق مع بغداد التي تتجه لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الإقليم، وما زال المواطنون يقبلون على خزن المؤن والوقود والحاجات الضرورية تحسباً لأي طارئ. وأبلغت سلطة الطيران المدني الاتحادية أمس شركات الطيران العالمية أن «كل الرحلات الى مطاري السليمانية وأربيل سيتم تعليقها، بدءاً من مساء الجمعة المقبل، في تمام الساعة الثالثة مساء بالتوقيت العالمي والسادسة مساء بالتوقيت المحلي»، واستثنى الإخطار «الشركات العراقية والرحلات الداخلية». وورد وزير النقل والمواصلات في حكومة الإقليم مولود باومراد على القرار خلال مؤتمر صحافي فقال إن «قرار تسليم المطارات غير مناسب وغير صائب ومرفوض، وتعليق الرحلات الجوية سيعود بتداعيات سلبية على المواطنين، وسلطة الطيران المدني العراقية تشرف على المطارات ومن ضمنها مطارا أربيل والسليمانية الدوليان». وعلى الفور أعلنت شركات طيران «الشرق الأوسط» اللبنانية، و «المصرية» و «الأذرية» التزامها وقف رحلاتها إلى الإقليم بناء على طلب عراقي في حين أفاد الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية خلال احتفال سياحي في الدوحة بأن «الشركة ستواصل رحلاتها إلى أربيل طالما كان المجال الجوي مفتوحاً». (رويترز)، كما أكدت الخطوط التركية أن رحلاتها «متواصلة إلى الإقليم إذ لم نتلق إخطاراً رسمياً بغلق المطارات». وجاء الطلب العراقي عقب إقرار مجلس الوزراء «إخضاع كل المنافذ الحدودية البرية والجوية في الإقليم للسلطة الاتحادية وإيقاف الرحلات الجوية باستثناء تلك المتعلقة بالطابع الانساني والطارئة، إلى حين خضوع عمل المطارين لرقابة وإشراف هيئة المنافذ الحدودية وسلطة الطيران المدني الاتحادية». وحذر رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني أمس بغداد من «اتخاذ قرارات فردية كإجراء عقابي»، وقال: «لا شك في أننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيكون لنا رد فعل». كما انتقدت واشنطن إجراءات بغداد، وقالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت إن «قرار إغلاق المنافذ الجوية غير صائب، لا نقبل أي تصعيد أو عنف من كلا الجانبين»، وأضافت: «لا ندعم خطوة الاستفتاء ولا ننحاز إلى حكومة بغداد، لكن ندعم وحدة العراق». وأعرب وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل عن قلق بلاده «إزاء الاستفتاء الذي قد يزيد التوترات في المنطقة»، ودعا «الأطراف كافة إلى تجنب أي تصعيد والنأي عن أي خطوات منفردة في اتجاه الاستقلال أو الإجراءات القسرية». وأعلنت الخارجية الروسية في بيان أن موسكو «دعمت دائماً سيادة ووحدة وسلامة أراضي العراق، ومن المهم تجنب زعزعة الاستقرار في المنطقة، وكل ما من شأنه أن يشكل خطراً على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، ويزيد تعقيد الأمور المعقدة أصلاً، في هذه المنطقة المملوءة بالصراعات». وحذرت فرنسا كردستان من أن «إعلان الاستقلال سيزعزع المنطقة». ودعت الحكومة المركزية إلى منح «الأكراد قدراً أكبر من الحكم الذاتي». وقال وزير الخارجية جان إيف لو دريان إن «الأمر المستحب اليوم هو دمج الأكراد في إعادة بناء العراق والمصالحة من خلال الحصول على أكبر قدر ممكن من الحكم الذاتي. فلا يبدو الوقت مناسباً للحصول على الاستقلال... ولكن (إذا) حدث ذلك سيؤدي إلى أزمات كبيرة جديدة في الشرق الأوسط في وقت يجري دحر داعش».