دخلت المنافسة على رئاسة مصر مرحلة جديدة، بعد إطلاق الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي حملته بلقاء تلفزيوني مطول مساء أول من أمس، أعلن فيه للمرة الأولى عزمه الترشح للرئاسة، وقبوله مناظرة منافسه الأبرز الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي كان بدأ حملته قبل ثلاثة أيام. وتصاعدت حدة المنافسة بين البرادعي وموسى اللذين أعلنا في شكل صريح الترشح للانتخابات المرتقبة، لينتظر المصريون المناظرات الإعلامية بينهما. وقال البرادعي في لقاء مع قناة «أون تي في» المحلية: «حين يفتح باب ترشيحات الرئاسة، أنوي أن أرشح نفسي». وأعلن أنه سيصوت برفض التعديلات الدستورية في الاستفتاء المقرر بعد ثمانية أيام، معتبراً أنه يجب وضع دستور جديد للبلاد. وتعهد أن يكون مؤتمره الصحافي الأول في حال انتخابه «في منطقة عشوائية»، ليعتذر «باسم كل المصريين للأربعين في المئة من المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، عن الإهمال الذي عاشوه وعن عدم حصولهم على المساكن والحياة التي يستحقونها». ونفى في شدة ما ردده النظام السابق عن حصوله على جنسية أجنبية. وقال: «لم أحمل غير الجنسية المصرية ولن أحمل غيرها». وشدد على أن «مسار التغيير في مصر يجب أن يبدأ بوضع دستور جديد». وقال: «الدستور الحالي سقط وستكون إهانة للثورة إن قررنا إبقاء هذا الدستور». ودعا بدلاً من ذلك إلى «دستور جديد وانتخابات رئاسية تعقبها انتخابات برلمانية». وأضاف: «نسير في الاتجاه المعاكس. وأدعو المجلس العسكري إلى تأجيل الاستفتاء أو إلغائه». وحذر من أن خطة القوات المسلحة لإجراء انتخابات برلمانية خلال شهرين قبل وضع دستور جديد ستبعد كثيرين من العملية الانتخابية. وأوضح: «إذا مضينا قدماً في هذه التعديلات، فهذا يعني إجراء الانتخابات البرلمانية خلال شهرين وأن 80 في المئة من المصريين أو الغالبية الصامتة لن تتاح لهم فرصة للمشاركة في عملية برلمانية حقة، ولن يكون سوى برلمان لفلول الحزب الوطني الديموقراطي والإخوان المسلمين». في سياق موازٍ، أعلن رئيس حزب «الوفد» الدكتور السيد البدوي أمس أن حزبه سيعلن مرشحه لرئاسة الجمهورية خلال أسبوعين، معتبراً أن «هذا المرشح سيكون الرئيس المحتمل للجمهورية ولن يكون للمنافسة فقط». وقال إن حزبه يريد «إعلاناً دستورياً موقتاً من المجلس العسكري يحدد المحاور الأساسية لنظام الحكم خلال الفترة الانتقالية وإصدار مرسوم بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد». وطالب ب «حل المجالس الشعبية المحلية وتكليف اللجنة الدستورية بوضع مشاريع جديدة لقوانين مباشرة الحقوق السياسية، ومجلسي الشعب والشورى، والأحزاب، وطرح مشروع الدستور الجديد على حوار وطني، ثم إجراء استفتاء شعبي للموافقة عليه». واتفق مع طرح البرادعي وموسى المطالب بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل التشريعية. وتنتظر قرارات عدة حسم قادة الجيش خلال الأيام المقبلة، في مقدمها تحديد أولوية الاستحقاقات خلال الفترة الانتقالية (الرئاسية أم التشريعية)، بعد الاكتفاء بتعديل 8 مواد في الدستور تقرر الاستفتاء عليها في التاسع عشر من الشهر الجاري، على عكس رغبة غالبية القوى السياسية التي تطالب بدستور جديد للبلاد. ولا يزال الجدل في شأن أولوية الانتخابات الرئاسية على التشريعية مهيمناً على النقاش السياسي، رغم أن ثمة إجماعاً بين القوى السياسية على ضرورة البدء بالاستحقاق الرئاسي أولاً بما يمهل الأحزاب للظهور في الساحة بعد سنوات من الاختفاء والإقصاء. ورغم النشوة التي يعيشها المصريون في أعقاب إطاحة رأس النظام السابق، فإن المشهد السياسي ما زال يكتنفه كثير من الغموض ليبدو الأمر وكأن الساحة السياسية فوجئت بالإنفراج الذي حدث، إذ لم تكن القوى السياسية أعدت نفسها لمثل هذه الفترة الانتقالية المهمة، فلم تستطع حتى الآن الإدلاء برأي واضح في الأحداث المتسارعة. في المقابل يبدو أن الحكومة الجديدة بقيادة الدكتور عصام شرف تنأى بنفسها عن الدخول في معترك الخلافات السياسية، وتسعى إلى أن تقف على خطوات من المتنافسين، خصوصاً أنها تواجه تحديات جساماً في مقدمها إعادة الأمن إلى الشارع، إضافة إلى السيطرة على تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، لتترك المعترك السياسي للمجلس العسكري. وكشف عضو اللجنة الدستورية التي كان شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة المستشار عاطف البنا ل «الحياة» تسليم اللجنة للمجلس العسكري تعديلات في قانون مباشرة الحقوق السياسية تسمح بإنشاء الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار الرسمي وإلغاء لجنة شؤون الأحزاب. وقال إن «هذه التعديلات تم تسلميها إلى المجلس العسكري، وكان ينتظر إقرارها قبل أسبوع، لكن يبدو أن أحداث العنف الأخيرة عطلت خروجها إلى النور». وتترقب قوى سياسية عدة هذه التعديلات القانونية لإطلاق أحزاب، في مقدمها جماعة «الإخوان المسلمين» التي تكثف من تحركاتها للحصول على رخصة حزبها «الحرية والعدالة» قبل إجراء الانتخابات التشريعية. ويجاهد رئيس الحكومة لاستعادة الأمن في الشارع، ومواجهة أعمال السرقة والبلطجة في مناطق عدة من البلاد. وسعى شرف أمس إلى انتزاع تعاطف ودعم المصريين لجهاز الشرطة، إذ أكد أن «الشرطة كانت ومازالت أحد العناصر المهمة في منظومة الدولة المصرية، وعنصراً فاعلاً في بناء نهضتها وتقدمها»، مشيراً إلى أن «مشاركة أجهزة الشرطة في مسارات التنمية باتت ضرورة أملتها تطورات المجتمع، ومن دون الأمن لا يمكن تحقيق التقدم والازدهار. وأي إخلال أو عبث بالأمن يؤدي إلى توقف عجلة التنمية». وشدد خلال اجتماع أمس مع وزير داخليته اللواء منصور العيسوي وعدد من قيادات الشرطة والضباط، على «ثقة كل فئات الشعب وطوائفه في قدرة أبنائه من رجال الشرطة على توفير الأمن والاستقرار في كل ربوع مصرنا الحبيبة»، مشيراً إلى أن «الجميع يتطلعون إلى الشرطة بكامل قواها لتأدية مهماتها في أقرب وقت». ودعا المواطنين إلى «ضرورة التعاون مع رجال الشرطة ومساندتهم في مهماتهم، إعلاء لمصلحة الوطن وحماية لمكتسباته». وبدا أمس الوجود الشرطي في الشارع أكثر كثافة. وشوهدت الدوريات والمكامن في مناطق رئيسية في القاهرة وعدد من المحافظات، في حين كان لافتاً نزول عدد من عناصر الشرطة إلى ميدان التحرير، بعدما أخلته قوات الجيش أول من أمس من المعتصمين، في أول ظهور للشرطة في الميدان منذ اندلاع الثورة التي أطاحت الرئيس السابق حسني مبارك. وشدد وزير الداخلية على «أهمية انضباط رجل الشرطة والتزامه في عمله بالقانون»، مؤكداً في الوقت نفسه ضرورة «حسن معاملة المواطنين». في غضون ذلك، قدمت هيئة مكتب «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم سابقاً استقالتها اليوم إلى الأمين العام للحزب الدكتور محمد رجب، «لإعطائه الفرصة لاختيار ما يراه لمعاونته في المرحلة المقبلة، والتأكيد على أهمية إحداث تطوير جذرى في أفكار وآليات الحزب بما يتماشى مع التحولات التي شهدها المجتمع المصري». وتضم هيئة المكتب التي عُينت في خضم التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام الشهر الماضي المستشار ماجد الشربيني والدكتور محمد كمال والدكتور محمد عبداللاه ومحمد هيبة. وفي ما يخص قضايا الفساد، أيدت محكمة جنايات القاهرة أمس طلب النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود التحفظ على أموال وكل ممتلكات رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف، ووزير المال السابق يوسف بطرس غالي، ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ووزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان، ووزير السياحة السابق زهير جرانة، ووزير الإسكان السابق أحمد المغربي، وعدد من زوجات الوزراء السابقين ومجموعة من كبار رجال الأعمال. ويتضمن القرار منع هؤلاء الوزراء من التصرف بصورة موقتة في أرصدتهم المصرفية وأموالهم السائلة والعقارية والمنقولة، «في ضوء ما هو منسوب إليهم من اتهامات تتعلق بالاستيلاء على أراض مملوكة للدولة، والاستيلاء وتسهيل الاستيلاء على المال العام والتربح للنفس وللغير من دون وجه حق وبالمخالفة للقانون». وفتحت النيابة العامة تحقيقات موسعة في الاشتباكات الطائفية التي شهدتها قرية صول في أطفيح التابعة لمحافظة حلوان (جنوبالقاهرة) أخيراً على خلفية إشاعات عن علاقة بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة، وما تلاها من اشتباكات في مناطق المقطم والدويقة ومنشية ناصر أسفرت عن مقتل 7 مسيحيين و3 مسلمين، وجرح 138 شخصاً من الطرفين، وحرق 3 منازل وعدد من المتاجر وإتلاف 14 سيارة. وأعلن النائب العام المساعد المستشار عادل السعيد أن «النيابة استمعت إلى أقوال مأمور مركز شرطة أطفيح وضابط المباحث، وتواصل استكمال التحقيق بسؤال أي من الشهود أو المتهمين فور تقديمهم لها من أجهزة الشرطة». وأشار إلى أن «فريقاً من محققي النيابة العامة انتقل على الفور إلى مناطق المقطم ومنشية ناصر والدويقة، فور تلقي النيابة بلاغ القوات المسلحة بأحداث التجمهر والاشتباكات الطائفية، وذلك للوقوف على حقيقة الأحداث وإجراء المعاينة اللازمة لكل الأماكن والسيارات التي تعرضت للحرق والإتلاف»، مشيراً إلى أن «النيابة قررت ندب خبراء من مصلحة الأدلة الجنائية لموافاتها بالتقارير الفنية اللازمة في هذا الشأن». وشيعت أمس جنازات سبع من ضحايا أحداث العنف والمصادمات في المقطم ومنشية ناصر ورأس الصلاة القمص سمعان إبراهيم راعي دير سمعان الخراز بمشاركة آلاف الأقباط ومئات المسلمين الذين رددوا هتافات منددة بالأحداث التي تهدد الوحدة الوطنية. على صعيد آخر، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس إنها ستزور القاهرة وتونس الأسبوع المقبل، في أول زيارة لها إلى البلدين منذ إطاحة الرئيسين السابقين حسني مبارك وزين العابدين بن علي. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن كلينتون قولها أمام الكونغرس: «الأسبوع المقبل سأتوجه إلى القاهرة وتونس للتحدث مباشرة مع الشعبين المصري والتونسي. وسألتقي القادة الانتقاليين. وأعتزم نقل دعم الإدارة والشعب الأميركي القوي بأننا نرغب في أن نكون شركاء في العمل المهم الذي أمامهم مع بدئهم في الانتقال إلى ديموقراطية حقيقية».