أدلى مواطنو إقليم كردستان أمس بأصواتهم في عملية الاستفتاء على الانفصال عن العراق، وسط رفض إقليمي ودولي ومخاوف من العواقب، فيما هدّدت تركيا بمحاصرة الإقليم اقتصادياً وتعليق صادراته النفطية عبر أراضيها، واللجوء إلى الخيار العسكري، كإجراء عقابي. كما أغلقت إيران حدودها البرية مع الإقليم وأجرى الرئيس حسن روحاني اتصالاً هاتفياً بنظيره التركي رجب أردوغان الذي سيزور طهران قريباً يرافقه رئيس الأركان لتنسيق المواقف. ويتوقع أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنقرة الخميس المقبل للبحث في ما بعد الاستفتاء ووضع الأكراد في سورية التي أعلنت أمس رفضها هذه الخطوة الكردية. وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها في كردستان والمناطق المتنازع عليها الثامنة صباحاً، وتقاطر الناخبون للإدلاء بأصواتهم وارتدى كثيرون الملابس الكردية التقليدية، حاملين أعلام الإقليم، وعقد بعضهم حلقات الدبكة الفولكلورية، بعد التصويت تعبيراً عن سعادتهم وسط الأهازيج، إلا أن الإقبال في محافظة السليمانية التي تعد معقلاً لقوى متحفظة عن توقيت الاستفتاء كان ضعيفاً ولم يتجاوز ال 25 في المئة حتى الظهيرة. ويبلغ عدد الذين يحق لهم التصويت 5 ملايين ناخب في محافظات الإقليم الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، والمناطق «المتنازع عليها»، وهي محافظة كركوك ووحدات إدارية تابعة لمحافظات نينوى وديالى وصلاح الدين. وأكدت مفوضية الانتخابات أنها وزعت 12 ألف صندوق على ألفي مركز انتخابي، بينما تغطي أكثر من 100 وسيلة إعلامية أجنبية و60 محلية، الحدث، وهناك 10 فرق مراقبة دولية و70 محلية، على أن تعلن النتائج خلال 24 ساعة بعد إغلاق آخر مركز اقتراع. من جهة أخرى، أقبل المواطنون على مراكز التسوّق لشراء المؤن، وشهدت بعض محطات الوقود طوابير، بسبب الهواجس من تنفيذ أنقرةوطهران تهديداتها بغلق المعابر الحدودية وفرض حصار اقتصادي على الإقليم. واتهم «المرصد العراقي لحقوق الإنسان» قوات الأمن الكردية بأنها «طلبت من العائلات التي ترفض المشاركة في الاستفتاء في كركوك مغادرة المحافظة، وقد غادرها 25 عائلة فعلاً خلال اليومين الماضيين». وأضاف أنه واصل «مع 5 عائلات نزحت باتجاء قضاء العظيم التابع لمحافظة ديالى، كما غادرت أسرة حي حيزران بأمر من قوة أمنية»، واتهمت مصادر محلية في ديالى قوة أمنية كردية بتهديد مواطنين في قره تبه لتجبرها على المشاركة في الاستفتاء أو «المغادرة وترك منازلها»، في وقت منعت الشرطة في ناحية مندلي فتح مراكز للاقتراع، واقتصر التصويت في خانقين وناحية قره به وجباره. وفتح الإقليم مراكز اقتراع في مناطق سهل نينوى باستثناء ناحية برطلة والحمدانية التي تشرف عليها قوات محلية مدعومة من الحكومة المركزية، وشارك السكان العرب في التصويت في ناحية ربيعة الحدودية مع سورية وكذلك ناحية زمار، كما فتحت مراكز اقتراع في قضاء طوزخورماتو شمال محافظة صلاح الدين. وقال رئيس حكومة كردستان نيجيرفان بارزاني خلال مؤتمر صحافي أمس إن الإقليم «لا ينوي خوض الحرب مع أحد، ونرغب في الاستقلال بطريقة سلمية وديموقراطية بعيداً من العنف على رغم أن ذلك لا يخلو من أخطار، ومستعدون للحوار مع بغداد في ما يتعلق بالانفصال». وأضاف: «أثبتنا في السنوات الماضية أننا عامل أمن واستقرار في المنطقة ولدينا علاقات متينة مع تركيا منذ تسعينات القرن الماضي، ونأمل بأن تتفهم تركيا الأسباب التي دفعتنا إلى اتخاذ هذا القرار، ونتمنى أن تتعامل أنقرة معنا بهدوء لأننا لا نشكل تهديداً لأحد». وشدد على أن «تهديدات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للإقليم تذكرنا بقرارات النظام الدكتاتوري السابق، لسنا من قسّم العراق بل السياسات الخاطئة لبغداد هي التي أدت إلى ذلك». وقال محافظ كركوك نجم الدين كريم: «لا يمكن التعويل على المواقف المتشنجة من الأطراف والجهات السياسية في بغداد حالياً نظراً للظروف السياسية التي تشهد مزايدات كثيرة، وسنبدأ بالحوار». وتتهم الأطراف الكردية المعارضة توقيت الاستفتاء الحزبين الرئيسيين «الاتحاد الوطني» بزعامة جلال طالباني و «الديموقراطي» برئاسة مسعود بازراني باستخدام الاستفتاء والعزف على الوتر القومي كورقة للقفز على الأزمات التي يشهدها الإقليم من سنوات، ومنها انتهاء ولاية بارزاني وملفات الفساد وغياب الشفافية في إدارة الملف النفطي والأزمتان السياسية والاقتصادية. وتباينت مواقف الأطراف الكردية المعارضة توقيت الخطوة، ودعا زعيم «الجماعة الإسلامية» علي بابير عقب الإدلاء بصوته أنصاره إلى «التصويت لمصلحة الاستفتاء على رغم أننا نرى أن الإجراء تمّ بقرار حزبي». في حين منحت حركة «التغيير» أنصارها حرية الاختيار بالرفض أو التأييد، وجدّد رئيس حملة «لا» رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد أن تصويته بالرفض «لا يعني أننا ضد الاستقلال، بل إن هدف الأحزاب المتنفذة هو التلاعب بمشاعر الشعب والمتاجرة بصوته لغايات تتعلق بالسلطة والمصالح الحزبية، وليس إعلان الدولة»، وأعلنت فضائية «إن إر تي» التي يموّلها عبد الواحد أن السلطات «أغلقت بثها الأرضي الإذاعي والتلفزيوني» في ثاني إجراء منذ انطلاق الحملة الدعائية للاستفتاء. ويعوّل الأكراد على أن المجتمع الدولي الرافض طموحاتهم سيخضع في النهاية للأمر الواقع لأن الإجراء لا يتنافى مع حق الشعوب في الاستقلال إلا أن ردود أفعال بغدادوأنقرةوطهران اتخذت منحى تصعيدياً في موازاة رفض على صعيد المجتمع الدولي. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال منتدى في إسطنبول أمس أن «الاستفتاء غير شرعي وغير مقبول ولن نغضّ الطرف عن أي أمر قد يمسّ أمن حدودنا وعندما نغلق الصمام ينتهي نفط إقليم شمال العراق، ولنرَ من أين سيصدّرون نفطهم؟». وأضاف «حالياً نسمح بالعبور إلى الجانب العراقي فقط وخلال هذا الأسبوع سنفصح عن تدابيرنا الأخرى وسنغلق المعبر الحدودي (بين الإقليم وتركيا)»، ودعا «رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى التراجع عن موقفه الداعم للاستفتاء». وكشف رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في لقاء مع عدد من الصحافيين أن حكومته «تبحث في فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية والعسكرية رداً على الاستفتاء الذي من شأنه تعزيز الفوضى القائمة»، وهدّد بأن «المطارات وبوابات الحدود وخطوط أنابيب النفط ستسيطر عليها الحكومة المركزية في العراق، لأن إصرار الإقليم مهّد أرضيّة لصراع ساخن ولن نتسامح مع أي خطوات تستهدف الوجود التركماني شمال العراق». وتابع أن «الرئيس أردوغان ورئيس أركان الجيش، سيزوران إيران خلال أيام للبحث في الرد على الخطوة الكردية، التي هي عبارة عن مسرحية، وفقد بارزاني كل الحظوظ التي منحناه إياها، وسنتخذ إجراءات تتعلق بالمجال الجوي، وسيتم إشراك ضباط عراقيين في المناورات التي نجريها قرب الحدود». ولفت إلى أن حكومته «ستنسّق مع بغداد ضد شمول كركوك والمناطق المتنازع عليها بالاستفتاء، وسندعمها من دون تردد في حال طلبت المساعدة، وسيكون الحوار معها حصراً». وأفادت وكالة «الأناضول» التركية بأن أردوغان «اتفق مع نظيره الإيراني حسن روحاني خلال اتصال هاتفي على أن «عدم إلغاء الاستفتاء سيحدث فوضى في المنطقة»، كما أكد روحاني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي على «وحدة العراق واستقرار المنطقة». وأفادت وزارة الخارجية التركية في بيان بأن «الاستفتاء بحكم الملغى من حيث نتائجه، ولن نعترف به لعدم شرعيته، سواء بالنسبة إلى القانون الدولي أو الدستور العراقي، وسنتخذ كل الإجراءات إذا تعرّض أمن تركيا للخطر»، ودعت رعاياها في الإقليم «إلى المغادرة في أقرب وقت». وأعلن كبير مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحي رحيم صفوي أن «هزيمة «داعش» في سورية والعراق «دفعت الصهاينة والأميركيين إلى تمرير هذه المؤامرة الجديدة لإثارة حرب طويلة الأمد في المنطقة»، وأكد أن بلاده «أغلقت حدودها الجوية مع الإقليم». إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفض دمشق الخطوة الكردية. وقال «نحن في سورية لا نعترف إلا بعراق موحد ونرفض أي إجراء يؤدي إلى تجزئة ذلك البلد، هذه خطوة مرفوضة ولا نعترف بها وبالأمس أبلغت وزير الخارجية العراقي موقفنا». وأفادت وزارة الخارجية الصينية بأن بكين «تدعم وحدة العراق وسلامة أراضيه، لمساعدته في إعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب بما يتفق مع المصالح المشتركة لدول المنطقة والمجتمع الدولي»، وأعربت عن أملها ب أن «تتمكن الأطراف المعنية من حل خلافاتها بالحوار، وأن تتوصل إلى حل شامل يأخذ في الاعتبار التاريخ والواقع، من أجل حماية الاستقرار في العراق والمنطقة».