في صباح أحد أيام آب (أغسطس) 2010، اكتشف أمناء «متحف محمد محمود خليل» في القاهرة اختفاء لوحة «زهرة الخشخاش» التي يقال إن فنسنت فان غوغ رسمها عام 1887، أي قبل موته بثلاث سنوات. كان يتخطى ثمنها التقديري وقت سرقتها 50 مليون دولار، لذا فقد مثّل الحادث آنذاك مادة خصبة لوسائل الإعلام المصرية والعالمية، ليس لقيمة اللوحة المادية فقط، ولكن أيضاً لمكانة صاحبها كأحد أبرز فناني الحداثة الأوروبية. وعلى خلفية هذا الحادث، أقيل مسؤولون في وزارة الثقافة المصرية وحوكم عاملون وموظفون بتهمة الإهمال. وفور الإعلان عن السرقة، أُعلنت حالة الطوارئ في الموانئ والمطارات المصرية، وأوقف سياح ومسافرون يحملون أعمالاً فنية، ولم يُسمح لهم بالمغادرة إلا بعد فحص دقيق لما يحملونه. وعلى رغم هذه الإجراءات والضجة الإعلامية التي أثيرت حينها، وتضارب التصريحات والتخمينات، لم تظهر اللوحة المختفية. ثم هدأ الأمر وتوارت سيرة اللوحة المسروقة. ما الجديد في قضية «زهرة الخشخاش»؟ بدا سؤال «الحياة» مفاجئاً لرئيس قطاع الفنون التشكيلية المصري الفنان خالد سرور، فالقضية التي كانت ملء السمع والبصر قبل سبع سنوات، وتداولت تفاصيلها وكالات الأنباء حول العالم لا يكاد أحد يذكرها أو يتذكر تفاصيلها اليوم. لكن الرجل سرعان ما تدارك الأمر، معلناً وفق علمه كما يقول، أن لا جديد في ما يخص التحقيقات الجارية في هذا الشأن. قطاع الفنون التشكيلية هو الجهة المسؤولة عن إدارة المتحف، إضافة إلى عدد من المتاحف الفنية الأخرى. بدا من حديث المسؤول المصري أن ثمة انقطاعاً تاماً عن أخبار التحقيقات الجارية، أو أن التحقيقات لم تسفر حتى اليوم عن شيء يمكن أن يقود إلى حل هذا اللغز الذي أطاح عدداً من مسؤولي إدارته السابقين، وفتح الحديث حينها عن أمن المتاحف المصرية وحال التردي التي أصابتها. كان حادث السرقة غريباً ومثيراً لكثير من علامات الاستفهام، فقد استطاع اللص بكل سهولة انتزاع اللوحة من إطارها الخارجي في ذروة ساعات العمل في المتحف، وفي غفلة من القائمين عليه، ووسط غياب تام لأي أجهزة إنذار أو مراقبة. في سياق تعليقه، يرى سرور أن أمر السرقة في حد ذاته يبدو له غريباً، ليس على مستوى السهولة التي تم بها فحسب، ولكن لكون السارق يعلم جيداً أن اللوحة لا يمكن بيعها أو عرضها في أي مكان في العالم، لأنها مسجلة ضمن «المسروقات المهمة»، وسيتم التبليغ عنها فور عرضها. كغيرها من القضايا الكبرى التي لم يتم التوصل إلى حل لغزها، دار حول حادث السرقة كثير من التخمينات، لعل أبرزها ما تداولته وسائل إعلام بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 حول علاقة زوجة الرئيس المصري السابق حسني مبارك بالحادث. لكنها في النهاية تظل مجرد تخمينات لا تستند إلى دلائل ملموسة. المؤكد هنا أن الحادث لا يزال محتفظاً بغموضه، ولا تزال اللوحة مفقودة إلى ما شاء الله. وتعرضت اللوحة ذاتها للسرقة من قبل وأعيدت إلى المتحف في أجواء لا تقل غموضاً عن الحادث الأخير. فقد سطا عليها أحد اللصوص في عام 1977 وهرّبها إلى دولة عربية، وأعيدت بعد أربع سنوات، وبعد تطوع «السارق التائب» بالاعتراف بما اقترفه. أثيرت بعد ذلك الحادث أقاويل كثيرة حول أصالة اللوحة، وأنها أُبدلت بأخرى مزيفة أثناء اختفائها، لكن هذا الادعاء دحض بإخضاع اللوحة لفحوص دقيقة خلال مشاركتها في أحد المعارض في باريس، لتثبت بالدليل القاطع أصالة العمل. ويعد متحف محمد محمود خليل المطل على نيل القاهرة واحداً من أهم المتاحف الفنية في مصر، فهو يضم العشرات من الأعمال لكثير من فناني أوروبا خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ومنهم مانيه ورينوار وسيزان وفان غوغ وغوغان ورمبرانت. ويعود تاريخ هذا المتحف إلى بدايات القرن العشرين، حين بدأ الثري المصري محمد محمود خليل جمع مقتنياته من مزادات أوروبا، وكان مولعاً بالفن الغربي ومحباً لاقتناء أعماله. وحين تُوفيّ خليل كان قد جمع ما يكفي من الأعمال الفنية لإقامة متحف يخلد اسمه، وهو ما حرصت زوجته الفرنسية إملين هكتور على تحقيقه بتخصيصها للقصر الذي كانا يعيشان فيه مقراً لهذا المتحف الذي يضم اليوم ما يزيد على مئتي لوحة، ومجموعة كبيرة من التماثيل من إبداع أشهر نحّاتي القرن التاسع عشر. ويؤدي المدخل الرئيس للمتحف إلى الطابق الأرضي الذي ينفرد بعرض قطعة غوبلان نادرة كبيرة الحجم إلى القرن الثامن عشر. ويعرض أيضاً في هذا الطابق عدد من التماثيل واللوحات الاستشراقية والكلاسيكية إلى جانب مجموعة أخرى من الأعمال لمشاهير المصورين الفرنسيين. وهناك أيضاً مجموعة نادرة من الأواني الخزفية الصينية والفرنسية القيمة ذات الحجم الكبير، كما يمكنك أن تستمتع عند زيارتك لهذا المتحف بمشاهدة قطع الأساس المتحفي الفرنسي. أما الطابق الأول، فيضم لوحة «الحياة والموت» لغوغان، ومجموعة من أعمال فان غوغ، بالإضافة إلى نماذج من الأعمال التي تمثل المدرسة الفرنسية. أما الواقعية، فتمثلها مجموعة من اللوحات المتنوعة لكل من كوربيه وبيسارو. ويحتوي الطابق الثاني على نماذج للاتجاهات المختلفة التي ظهرت في القرن التاسع عشر، كالمدارس الرومنسية والتعبيرية والانطباعية.