ماذا يمكننا أن نفعل لوقف الشركات والبيوت المالية الاستشارية عن القيام بمضاربات ترفع أسعار النفط، وتوقع وصولها إلى أرقام معينة مثل 220 دولاراً للبرميل، كما أعلنت شركة «نومورا» الأسبوع الماضي، فترتفع الأسعار من دون أن يطرأ أي تغيير على أساسات الصناعة النفطية؟ نوافق على أن الأحداث السياسية الجارية في دول عربية مصدرة للنفط، تؤثر نوعاً ما في توجهات الأسعار، ولكن ليس في هذه الحدة وهذه السرعة، خصوصاً أن الإمدادات النفطية لم تتوقف، بل تواصلت زيادتها من كل دول «أوبك» وتحديداً من السعودية التي تملك طاقة إنتاجية فائضة تزيد على خمسة ملايين برميل يومياً. وعلى افتراض أن الإمدادات توقفت فإنها لا تتسبب في رفع المعدل السعري بهذا الحجم ليتجاوز متوسط 120 دولاراً للبرميل، لأن الموجودات النفطية لدى الدول الصناعية الكبرى من المخزون التجاري يزيد على 52 يوماً من الاستهلاك اليومي. وكذلك يزيد المخزون الاستراتيجي عن 90 يوماً من التموين النفطي. إذاً ما سبب هذه الارتفاعات الحادة في أسعار النفط ومن المسؤول المباشر عن تجاوز معدل 120 دولاراً بزيادة 20 دولاراً في أقل من 48 ساعة من بدء الاضطرابات في ليبيا؟ حصل ذلك على رغم عدم تأثر الإمدادات النفطية إطلاقاً، خصوصاً المصافي الأوروبية التي يعتمد بعضها على النفط الليبي. وإذا أخذنا في الحسبان الفترة الحالية، يجب أن تنخفض أسعار النفط إلى متوسط 90 دولاراً وليس أن ترتفع، لأن هذه الفترة تمثل فترة ركود للنشاط النفطي وانخفاضاً في معدل الطلب العالمي بحدود ثلاثة ملايين برميل يومياً، إضافة إلى أن الوقت الحالي هو الأفضل بين فترات السنة لخفض الإنتاج فهو يتزامن عادة مع إغلاق المصافي للصيانة الدورية، خصوصاً في أوروبا. ومن هنا يأتي دور البيوت المالية التي أدّت دوراً رئيساً في رفع الأسعار من دون وجه حق، وبالتالي فإن المضاربات تقف وراء هذا الارتفاع الهائل في الأسعار. كيف يُسمح لهذه البيوت بالتكهن بأن الأسعار ستصل إلى 220 دولاراً للبرميل بمعطيات مخيفة منها انقطاع الإمدادات من دول شمال أفريقيا النفطية، ليبيا والجزائر ونيجيريا، متناسية أن لدى «أوبك» طاقات إنتاجية فائضة، خصوصاً دول الخليج العربي التي تستطيع أن تسد أي عجز يفوق خمسة ملايين برميل. هل يمكن مقاضاة هذه البيوت الاستشارية لتتوقف عن التباهي في المضاربات وتصعيد الأسعار من أجل تحقيق فوائد مالية وقتية على حساب المستهلكين والمنتجيين، أو من أجل تسجيل رقم معين تستفيد منه لاحقاً باعتبارها الشركة الوحيدة التي استطاعت أن «تخمّن» معدل 220 دولاراً لعام 2011؟ أليس ضرورياً وضع آليات محاسبة لمراقبة تكهنات البيوت الاستشارية وأرقامها ووقفها عن المبالغة في معطيات غير واقعية؟ تعمل الدول المنتجة للنفط بكل طاقتها من أجل استقرار الأسعار وتهدئتها، وتحاول خفضها إلى ما دون مئة دولار وفي أسرع وقت، لأن الاقتصاد العالمي غير مستعد لتحمل صعود وطفرات سريعة وعدم استقرار في الأسعار، خصوصاً أن التصاعد لا مبرر له، وثمة كميات كافية من الإمدادات ولا داعي حتى الى زيادة إنتاج النفط الخام. يضر تصعيد أسعار النفط بالمستهلكين والمنتجين على حد سواء ويؤدي في نهاية الأمر إلى انكماش في النشاط الاقتصادي العالمي وزيادة مفرطة في أسعار السلع والخدمات كلها من دون استثناء. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة - الكويت