يتعين أن تفرض الثورات الجارية في العالم العربي تغييراً في موقف الاتحاد الأوروبي حيال جناحه الجنوبي. يجمع العالم على هذا القول. ويكتبه العالم بأسره. لكن طريقة عمل ذلك، ما زالت ناقصة. وقد دعا نيكولا ساركوزي ذاته الى اتحاد لدول حوض المتوسط الذي اندفعت فرنسا أثناء رئاستها الاتحاد الأوروبي الى حدود اعلانه رسمياً. لكن فكرة الشراكة السياسية لأطراف عدة والتي يرأسها بلد من الشمال وآخر من الجنوب، انتهت. وحلّت ساعة احترام «الاختلافات»، أي الشراكة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وبين كل بلد من بلدان المنطقة بمفرده. وستكون تونس التي تنادي بكل قوتها «بشراكة متقدمة»، في رأس اللائحة من دون شك. لكن مباراة الجمال لا تجيب عن السؤال المهم الذي طرحه (رئيس المفوضية الأوروبية) خوسيه مانويل باروسو يوم الأربعاء الماضي في بروكسيل، مكرراً وعود التعاون ومتعهداً بالوقوف الى جانب «الشباب العرب»: ما الذي يمكن اقتراحه على بلدان الجناح الجنوبي لأوروبا من دون المجازفة بوقوع ردود فعل غير مستحبة للدول الأعضاء على صعيد الهجرة أو التهديد الأمني؟ باختصار، ما هي الوعود التي يستطيع الاتحاد الأوروبي الوفاء بها؟ السؤال هذا، ساذج ومهم في آن. ويكفي توجيه السؤال الى المسؤولين التونسيين أو المصريين الجدد أثناء مرورهم في بروكسيل لإدراك أن التحولات قد جعلتهم أكثر تطلباً. ويؤكد المسؤولون هؤلاء أن أوروبا لا يمكنها الاستمرار بالتلاعب في أرقام المساعدات التي غالباً ما تنتهي في جيوب المستشارين. ويقولون إن على أوروبا أن تكف عن المجيء إليهم لإعطائهم الدروس. لقد أظهر التاريخ أن ثوراتهم لا تدين بشيء الى بروكسيل. وأن الاتحاد الأوروبي يدعم المجتمع المدني والحكم الديموقراطي، وهذا أمر طيب، لكن ينبغي الالتزام الصارم بالتواضع. وربما تشهد بلدان المتوسط التي تخلصت من حكامها الديكتاتوريين حالة من الفوضى والمراهقة. لكن البلدان هذه أصبحت ناضجة سياسياً بخروجها عن طاعة الجيش أو العصابات التي حكمتها. يتلخّص التغيير الجذري في أن البلدان هذه لا تريد التمويل الأوروبي الصرف. ويسعى كثر اليوم الى ان تشكل دول الاتحاد الأوروبي شراكة مع دول الخليج حيث المال أوفر. وتكمن الفكرة في ان الأهم هو الحصول على هبات وقروض لأوروبا، أمر يزيد اهمية عن تصدير المعايير الأوروبية في الإعلام والتقاليد السياسية، بل أيضاً في التكنولوجيا او الحكم وهو ما سماه (الباحث الفرنسي) زكي لعيدي «السلطة الناعمة» للمؤسسة الأوروبية. وتحلم دول البحر المتوسط «المحررة» بالسير على خطى أوروبا وليس أن تكون الزبون والدائن للاتحاد الأوروبي. لكن ثمة مؤسسات مالية أوروبية قادرة على توفير القروض للمشاريع كالمصرف الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ومصرف الاستثمار الأوروبي. * صحافي، عن «لو تان» السويسرية، 3/3/2011، إعداد حسام عيتاني.