لا ينفع إغماض العينين في شيء ناهيك عن انه سلوك غير إنساني. وكل ما في وسع الاتحاد الاوروبي القيام به، في الواقع، هو الاستعداد، كما ينبغي، لاستقبال اللاجئين الليبيين لفترة زمنية محدودة. وللفوز في التمرين القاسي هذا، يتعين على الاتحاد الاوروبي ان يكون نجمة في الرقص وليس وزيرة للداخلية. فالوزيرة ماريا فيكتر فرضت قيوداً جديدة على حقوق الاجانب. بيد أن ذلك لن يسمح لها بالوقوف في وجه دفق اللاجئين الآتين من شمال افريقيا. ولو حصلت هجرة جماعية لن يكون أمام الاوروبيين من خيار سوى توفير الاستقبال اللائق للاجئين وإعادة توطينهم في البلدان الأعضاء. وعلى غرار ما جرى في النمسا اثناء حروب يوغوسلافيا، ستكون ايطاليا هذه المرة من سيجد نفسه عند الخط الأول لتنظيم الاستجابة للحاجات الملحة. وبعد ذلك، سيكون على كل بلد من بلدان الاتحاد استقبال حصته من اللاجئين. وتكمن المشكلة في مفهوم «الواجب» هذا. والخوف من مواجهة الاوروبيين لدفق هائل من الاجانب سيكون أقوى من تعاطفهم مع ضحايا نظام ديكتاتوري. وبقليل من الارادة الطيبة يمكن لعدد من اللاجئين الليبيين ان يعود الى بلاده بعد ان يخيم الهدوء، أو ان يتابع اللاجئون، على نحو ما جرى مع الآتين من البلقان، طريقهم نحو قارات أخرى. لكن الحقيقة هي أن الامتعاض سيتغلب على الترحيب. وسينجم عن ذلك مشكلتان: من جهة هناك السياسة الخارجية غير المسؤولة والغبية التي يتبعها الاوروبيون حيال الحاكم الديكتاتوري غريب الاطوار ومن جهة ثانية السياسة الداخلية الكريهة للعديد من الدول الاعضاء في الاتحاد، والتي توازن بين الهجرة الضرورية لكن التي يساء ادارتها وبين افتعال البقاء في حالة استنفار منهجي، حيال الاجنبي. وكثر من الاوروبيين، وفي مقدمهم الايطاليون والمالطيون، انخرطوا في التجارة والاعمال مع القذافي. وطلب الديكتاتور الليبي، بصراحة، بلايين عدة من اليورو من الاتحاد الاوروبي ليحتوي في افريقيا المهاجرين الاقتصاديين الآتين من دول المغرب. ويقال ان صانعي القرار السياسي كانوا من السذاجة الى الحد الذي اقتنعوا فيه بإمكان جني فوائد من هذه المقايضة المعيبة. في الوقت ذاته، يشكل المهاجرون الافارقة غير الشرعيين الذين يعملون في جني المواسم الزراعية مسألة مهمة في عدد من البلدان منذ اعوام عدة. وعلى غرار النمسا. وجذور الشر تضرب بعيداً. وقليلة هي البلدان التي تعتمد تمييزاً واضحاً بين اللاجئ وبين المهاجر. ونادرة هي السياسات التي تعترف اعترافاً صريحاً اننا حاولنا التهرب من المسؤولية طوال اعوام من الجدال في شأن الهجرة الخاضعة للسيطرة. وفي ظل عدم توقع حصول ازدياد كبير في عدد المواليد في المستقبل، لن تتمكن اوروبا من تجنب موجة من الهجرة. وتثبيت قواعد واضحة من دون الوقوع في نزعة العداء للأجانب لا يبدو أمراً بسيطاً. وفي ما يتصل بتعليقات وزيرتنا عن دور شبكة الانترنت، فهي تستحق مديحاً خاصاً. وبينما يصفق الآخرون لثوار الانترنت في تونس ومصر وليبيا والصين، توجه ماريا فيكتر رسالة مختلفة: على من يريد المجيء الى هنا، متابعة دروس اللغة الالمانية على الشبكة أولاً. وهو ما لا ينطوي على أي مشكلة برأيها حتى في الارياف الأكثر تخلفاً. * كاتبة، عن «دي برس» النمسوية، 3/3/2011، إعداد حسام عيتاني