في زحمة الأحداث التي تشهدها دول عربية مجاورة من ثورة الشعوب وغضبها ورغبتها في التغيير وإصلاح الأنظمة ومكافحة الفساد وملاحقة المتورطين وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين والمطالبة بحقوقهم، وما نتج من هذه الأحداث من تغيير النظام في دولتين عربيتين، ومحاولات مستمرة في دول أخرى، فضلاً عن خروج مظاهرات واحتجاجات في أكثر من عاصمة عربية تنادي بالمطالب نفسها. إذاً فالشارع العربي يشهد ميلاداً جديداً لحقوق الشعوب وفق المتغيرات العصرية وحاجاتها، هذه الشعوب ترى أن حركة النمو الاقتصادي والتنموي لم تحقق لها العيش الكريم وتحسين مستويات العيش وكأنها لم تعالج مشكلة الفقر والبطالة. سؤال طرحه لي صحافي أميركي عبر الهاتف، يقول لي: ماذا عن دول الخليج؟ وهل ستفعل الشعوب مثلما تفعل شعوب الدول الأخرى؟! ابتسمت لصديقي الأميركي الذي يعرف أنني لا أجامله ولا أتحمس لأفكاره، بل أخبرته أنك قد تفاجأ إذا قلت لك إن شعوب الخليج، إذا خرجوا للتعبير، فتصب مطالبهم إلى مطالبات بالإصلاح السياسي والإداري، وفي الدرجة الأولى البطالة والفقر ومكافحة الفساد والعدالة الاجتماعية. خلال العقود الماضية لم يحدث أن اشتكى المواطنون من قيادتهم وحكامهم. قال لي صديقي الأميركي: أنت تتكلم وتدافع بطريقة مختلفة وكأنك لم تشاهد ما حدث في تونس ومصر، والآن في ليبيا واليمن والبحرين. ضحكت مرة أخرى وقلت له: اتفق معك أن هناك موجة من التغيير والإصلاح، وهناك سقف لا محدود لمطالبات بحقوق المواطنين، ولكن دعني أخبرك بتجربة الدول التي تشهد هذه الاضطرابات هو أن الجهاز الحاكم ومؤسسات الدولة كان لها يد مباشرة في خلق هذه الأحداث لسوء إدارة البلاد وتفشي حال الفساد واقتسام كعكة موارد الدولة للمستنفعين والقريبين للجهاز الحاكم. حال الغضب التي شهدتها بعض الدول العربية هو أن هذه المؤسسات التي كانت تدار، على رغم مشروعيتها، بطريقة غير صحيحة مع تحكيم المصالح الشخصية وتضييق الخناق على مشاريع تنموية وبشرية، فالمشكلة نابعة من رأس الحكم في البلاد وتبعتها المؤسسات الأخرى كافة. وإذا ما جئنا نتحدث في دول الخليج. وهل يطالب الشعب بالتغيير؟ هذا الكلام غير صحيح إطلاقاً، أولاً: للتركيبة الاجتماعية لهذه البلاد، خصوصاً في ما يتعلق بولاء المواطنين والقبيلة والمشايخ، كذلك هؤلاء الحكام يرون أن ما تحقق من منجزات اقتصادية ومكانة عالمية هي مكتسبات لا يمكن التفريط بها. فموضوع الإصلاح في المجالات كافة حتى وإن كانت أخذت مزيداً من الوقت، فهذا لا يعني عدم رغبة القيادة الخليجية أو نيتهم عدم الاستجابة، وتقديم مزيد من الحرية وتحقيق المطالب التي تحقق الرفاهية، فالكثير من دول المنطقة، على رغم عدم وجود مجالس منتخبة للبرلمان باستثناء الكويت، إلا أن هذه الدول من خلال مؤسساتها وباهتمام من قادتها سعت إلى معالجة المشكلات التي تواجه المواطنين، على سبيل المثال أقدمت السعودية قبل عقود على تقديم قروض للمواطنين لبناء منازلهم من دون فوائد، وخصصت صناديق لدعم المشاريع الصغيرة، وبرنامج الابتعاث الخارجي على نفقة الدولة، ودعم صندوق الضمان الاجتماعي وتحسين رواتب الموظفين. إذا لاحظنا في كل خطوات الإصلاح التي حدثت في السعودية نجد أنها جاءت بمبادرة خاصة من خادم الحرمين الشريفين، ومقارنة مع دول أخرى كانت أفضل حالاً. لهذا لا يمكن مقارنة المطالبات واعتبارها واحدة ومتشابهة، فالحال في السعودية الناس ليس مثلما يعتقد الكثيرون أو ينتظروا، فدول الخليج شعوبها تريد من حكامها وقادتها، مزيداً من الإصلاح في جوانب تتعلق بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد، واتخاذ خطوات جريئة وسريعة لمعالجة الفقر والبطالة. أكثر مطالب السعوديين، تأمين العلاج الطبي المجاني الذي يليق بهم، والتعليم والسكن والعمل والعيش الكريم، ومنح حقوق للمرأة فضلاً عن إجراءات من شأنها أن ترفع بالبلاد نحو المشاركة الشعبية. لم يتمالك صديقي الأميركي أن يكتم ضحكاته من كلامي واعتبر أنني أقول كلاماً نرجسياً، أخبرته: إذا كنت لا تصدق ارجع الى كل خطابات الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ توليه قيادة البلاد، واسمع انتقاداته للحكومة والوزراء، ولرجال القضاء والإعلام، وانتقاده لسوء الخدمات حتى حينما انهارت سوق الأسهم السعودية قبل خمس سنوات، انتقد بشدة هوامير السوق، وأجرى تعديلات وتحسينات ويجتهد لأن يرضي شعبه، قلت له: لا يجرؤ مسؤول عربي على أن يكشف الوجه الآخر لبلاده، خصوصاً حينما تكون دولة نفطية، الملك عبدالله تجرأ وبشجاعة زار مناطق الاحياء الفقيرة، وأعلن للعالم أن السعودية إذا كانت دولة نفط، فنحن أيضا مثل كل الدول نعاني من الفقر. بقي القول إن من يتربص لهذه البلاد من سقطة أو مشابهتها بدول أخرى مجاورة فهو مخطئ، ولم يقرأ بتمعن الشارع السعودي أو الخليجي، نعم هناك رغبة قوية في الإصلاح الشامل، وهذا ليس بمستغرب، وهناك رغبة في الإسراع لتحقيق المطالب والحاجات، وهذا ليس صعباً أمام قادة الخليج، مادامت تصب في مصلحة المواطنين ورفاهيتهم وتطورهم وتتماشى مع حاجات العصر وتحقيق العدالة الاجتماعية. * إعلامي وكاتب اقتصاد[email protected]