لا يزال الجدل حول خطباء المساجد في المملكة حديثاً يتردد بين مختلف الشرائح، فقهاء وكتاباً وعامة ومثقفين، حتى إن الخطباء أنفسهم أصبحوا شركاء في نقد أنفسهم وتبصير الناس بأخطائهم وعيوبهم. حدث ذلك قبل نحو شهرين عندما عقدت وزارة الشؤون الإسلامية ندوة لتطوير الإمامة والخطابة في البلاد، جمعت فيها وجوهاً من مشارب عدة، أغربها الأئمة والخطباء، كأنها تشكوهم إلى أنفسهم، وتدعوهم إلى أن يطوروا أنفسهم بأنفسهم، هكذا حدث. أحد حضور تلك «الورشة» المغلقة دون وسائل الإعلام في تفاصيلها، روى ل«الحياة» ماذا قال الخطباء والأئمة عن أنفسهم، وعن وزارتهم التي يتبعونها، وعن الإعلام عدوهم اللدود بطبيعة الحال، لكن المهم الآن هو ماذا قالوا عمّا يريد الجمهور منهم؟ ثم الخطباء أيضاً كيف ينظرون إلى أنفسهم؟ أكدوا أن «الجمهور يلاحظ على الخطباء قلة الإتقان، فيقدمون أحياناً ما هو دون المفترض بمراحل، وينتقدون نقص الوعي برسالة الخطيب لدى البعض، فيحدثون العامة بقضايا تصلح أن تكون خطاباً للنخبة أو للدول، بينما الجمهور رجال عاديون وعمال يهمهم إصلاح شأنهم الخاص». كذلك يتهم المنصتون لخطب الجمعة بعض معتلي المنابر ب«نقص في الأمانة»، كما يروي المصدر، وشرح ذلك بالقول «يدّعون الاحتساب في قبولهم مسؤولية الخطابة، ثم لا ينهضون بما يجب عليهم من حقها، وكان بوسعهم رفضها حين لم يجدوا استعداداً لتقديرها حق قدرها». وتعتقد شرائح من الناس أن خطباء في المساجد «يستهينون بما يقولون»، إذ يظن بعض الأئمة أنه يحدث جماعة مسجده فقط، وهو كذلك، ولكن الناس رسل بعضهم، واليوم الإعلام اختلف، فالدعاء ضد دولة أو طائفة بعينها مثلاً، يمكن أن تلتقط من خطيب وتصبح عنواناً يروج في المملكة كلها» كما قال الراوي. أما آخر الملاحظات فهي نقص في الاهتمام بالثقافة العامة يعانيه بعض المشائخ، «فإلى جانب العلم الشرعي، لا يستغني الخطيب عن الثقافة الاجتماعية، والفكرية، والسياسية التي تمكنه من التعبير عن آرائه وتنزيلها على الواقع بما يناسب المقام»، هكذا اختصرت المصادر ل«الحياة» ما اعتبره الخطباء إشكالاً يعانيه الجمهور منهم. صفات لا بد منها لا تذهب وزارة الشؤون الإسلامية الراعية للمساجد بعيداً عن الناس في نظرتها للخطيب وما ينبغي أن يتحلى به من مهارات وأخلاق، فعندما عددت صفات الخطيب أكدت أن أهمها «العلم بالقرآن والسنة، والعمل بعلمه فلا يكذب فعله قوله ولا يخالف ظاهره باطنه، إلى جانب الحلم وسعة الصدر فكمال العلم في الحلم، ولين الكلام مفتاح الصدور. قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَو كُنتَ فَظّاً غَليظَ القَلبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آل عمران 159).وفيما يشبه تحريض الخطباء على الشجاعة، أكدت الوزارة أن الخطيب يجب أن يكون «جاهراً بالحق وبالحكمة والموعظة الحسنة حتى لا يهاب أحداً في الجهر بالحق ولا تأخذه في نصرة الله لومة لائم، ففي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم»، ومن صفات الخطيب العفة واليأس ممّا في أيدي الناس فمن لم يفعل فقد باع دينه بدنياه»! ورأت قوة البيان وفصاحة اللسان ضرورية للخطب «وإلا كان النفع بعيداً، قال الله تعالى على لسان سيدنا موسى: «َواحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي» (طه: 27-28)، رغبةً منه - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - في غاية الإفصاح بالحجة والمبالغة في وضوح الدلالة، كما ينبغي أن يتصف ببذل الجهد لإعطاء الموعظة البعيدة التأثير وألا يبخل بما منَّ الله عليه من العلم والمعرفة، وأن يكون على جانب كبير من الهمّة العالية صبوراً لقوله تعالى: «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ»، وألا يضع نفسه موضع التهمة تحسباً لإساءة الظن به». ولم تكتفِ الوزارة فيما وجهت به خطباءها بتوعيتهم بالصفات التي تراها ضرورية، بل أرفقتها بآداب مكملة لها، تعتقد أنها تزيد الخطيب كفاءة وقرباً من الناس، وتم تقسيمها إلى باطنة تعلقت ب«الإخلاص لله، والحلم وسعة الصدر، والتواضع، وضبط النفس، واحتمال المكاره، والقناعة، والعفة، وعلو الهمة، والورع واتقاء الشبهات»، وأخرى ظاهرة مثل «الوقار والرزانة والمحافظة على السنة والسلامة من اللحن» وغيرها.