غالباً ما يأخذ الحديث مع المخرجين السينمائيين في التلفزيون مذاقاً فنياً جميلاً. ذلك أن المخرج السينمائي - وهو يتحدث عن تجربته السينمائية - يسعى عادة إلى محاولة تقريب أفكاره من المشاهد وتحبيبه فيها، دافعاً به بالتالي إلى متابعتها على شاشة السينما. لكلّ مخرج سينمائي أسلوبه في مسألة التأثير هذه. جان لوك غودار مثلاً استطاع أن يبدع كثيراً في حواراته التلفزيونية حول السينما التي يخرجها وحول نظرته إليها، فكان مدهشاً في التلفزيون كما في السينما. وهناك مخرجون كثيرون يتخذون أيضاً من شاشة التلفزيون التي تدخل بيوت الناس كافة وسيلة لترويج أعمالهم وتعريف الناس العاديين بها. وهذه الحالة حاضرة في تجربة كثيرين من المخرجين العرب ممن نجحوا في الحديث عن تجاربهم السينمائية ببساطة وبعمق، ومن هؤلاء المخرج السينمائي المغربي حكيم بلعباس. لقد خصص برنامج «16/9èm» الذي تعده وتقدمه الإعلامية ياسمين الدغوغي (إخراج فاتن جنان محمدي/ القناة المغربية الرابعة- الثقافية)، فقرة «لقطة مكبرة» للحوار مع المخرج حكيم بلعباس، أحد المخرجين السينمائيين المغاربة المتميزين. في البداية وكما جرت العادة، تم تقديم سيرة ذاتية وفنية له، مع الإشارة إلى مسقط رأسه في مدينة أبي الجعد، وعن افتتانه بالسينما وشغفه بها منذ صغره داخل ظلمة قاعة السينما التي كان يشتغل فيها والده كعارض أفلام. في البداية تحدث المخرج حكيم بلعباس عن القَدَر الخاص الذي جعله يعشق السينما ويشتغل فيها. وهو في حديثه عن الفضاء الذي كبر فيه وتقديمه سينمائياً، أشار إلى دور التخييل الفني فيه، بحيث قدم فضاء معيناً عاش فيه بالفعل ولكن كما تخيله ووفق رؤيته الفنية وليس كما هو في الأصل. وقد أشارت مقدمة البرنامج ياسمين الدغوغي إلى أن أفلام حكيم بلعباس هي قريبة من مجتمعنا وتحديداً من حياة حكيم بلعباس نفسه ومن كل ما أثر فيه. لذا، فإن أفلامه لا تخلو من العمق الإنساني والأبعاد النفسية. وهذا ما يظهر جلياً في الشخصيات الحاضرة في أفلامه والعلاقات القائمة في ما بينها. وعن سؤال حول أهمية السينما في حياة هذا المخرج وماذا تمثل بالنسبة إليه، جاء جوابه أن السينما قد علمته نسبية الزمن. بمعنى أن زمن الفيلم السينمائي يختلف عن الزمن الواقعي، كما علمته السينما أيضاً أن ليس في إمكانه ضبط الحياة في إطار فيلم سينمائي مبني على بداية وعقدة وحل. من هنا يقول «من المفترض على الفيلم أن يعبّر عن لحظته وعما يريد قوله وعما قد يفكر الناس فيه وهم يشاهدونه»، ومن ثم يجب على المخرج أن يسأل ما لإذا كان فيلمه نجح في نقل الإحساس الذي دفعه منذ البداية الى تصوير هذا العمل، لأن الهدف الأساس يبقى إشراك الآخرين في ما يشعر به. إنه تحدث عن مسائل عميقة على رغم حرص المخرج حكيم بلعباس على تقديمها بلغة بسيطة حتى تصل إلى عموم المشاهدين. وفي سؤال آخر عن علاقته بأبيه أشار إلى أن والده كان فخوراً به. وعلى رغم قسوة كان يتظاهر بها أمامه، كانت صرامته مليئة بالحب لكنها تلك كانت طريقته في التعبير عن حبه. وحين يغيب الأب، نعرف مدى رغبتنا الكبرى في الجلوس معه وسؤاله عن بعض الأشياء التي كنا نرغب في معرفتها منه أو معرفة رأيه فيها. تطرقت المقدمة الى علاقة المخرج حكيم بلعباس بالفيلم الوثائقي وشغفه بالفيلم الروائي، مشيرةً في هذا الصدد إلى كون حكيم بلعباس مخرجاً وكاتب سيناريو في الوقت عينه، وأن أفلامه تتميز بقوتها النفسية وبتفردها الفني. أما عن مصدر إلهامه فقد أشار إلى أن الفكرة / الإحساس تختلف وفق كل حالة. وفي بعض الأحيان لا ندري من أين تأتي الأفكار. فقد تأتي فقط بمجرد أن نشمّ رائحة معينة. قد يحدث أن تعيدك هذه الرائحة إلى فترة زمنية سابقة عندما كنت في سن الثالثة أو الرابعة من العمر. من هنا فالفكرة/ الإحساس/ الوجدان أو المادة الخام بالنسبة اليه تبقى غامضة المصدر. وفي عملية الكتابة يتمخض عن تلك الفكرة سيناريو، وهذا السيناريو يغدو فيلماً، مع إعادة كتابته وفق النسخ التي يريد إنجازها أو الترجمات الخاصة به. «وفي بداية التصوير قد يتولد فيلم آخر عن كل ما قد تصورته في السابق». وبالنسبة اليه، فإنّ مسألة الإخراج الفني الأساسية تبدأ مع المونتاج. وعن توقعاته حول الأفلام السينمائية المغربية، أجاب بأن الفيلم السينمائي الذي يمس وجدانه هو الذي ينتظره ويدفع به إلى التأمل (إزالة الحذاء والتنهد ورؤية النجوم). وحول مشاريعه المستقبلية في مجال الفن، أشار الى أن لديه «سيناريو» من ستمائة صفحة عن «عنترة بن شداد» وأنه يريد إنجاز فيلم من نوع «الرسوم المتحركة» لابنته، انطلاقاً منه وهو لا يزال ينتظر فرصة لتحقيق ذلك. وفي نهاية هذه الفقرة التي تحمل عنوان «لقطة مكبرة» تحدثت مقدمة البرنامج عن الجوائز المهمة التي نالها المخرج حكيم بلعباس في مسيرته السينمائية المتميزة هاته. طبعاً تخللت فقرة الحوار هاته مع المخرج حكيم بلعباس مشاهد من أفلامه، وهي طريقة جيدة للتعريف بها.