نجت لندن من مجزرة أمس، بعد تفجير عبوة يدوية الصنع في وقت الذروة في قطار مزدحم، أوقع 28 جريحاً، في هجوم اعتبرته الشرطة إرهابياً، هو الخامس في بريطانيا هذا العام، الذي يُعتقد أن وراءه عناصر متعاطفة مع «داعش». وأثار الاعتداء سجالاً محدوداً بين السلطات البريطانية والرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعدما لمّح إلى تقصير للشرطة في إحباط «هجوم نفذه إرهابي فاشل»، واستغلّه للدعوة إلى تشديد حظر على الهجرة إلى الولاياتالمتحدة. تزامن ذلك مع هجومين في فرنسا، إذ أصاب رجل يحمل مطرقة امرأتين بجروح وهو يصرخ «الله أكبر» شرق البلاد، بعدما كانت الشرطة أوقفت رجلاً هاجم بسكين جندياً في دورية لمكافحة الإرهاب في محطة أنفاق شاتليه في باريس. وأوردت وسائل إعلام فرنسية أن المهاجم ردّد إشارات تتعلق بتنظيم «داعش»، وتلفّظ بعبارات بينها الله. وقع اعتداء لندن الساعة الثامنة و20 دقيقة صباحاً في محطة «بارسونز غرين» غرب العاصمة، محدثاً «كرة من لهب» في عربة، ما أسفر عن إصابة 28 شخصاً بجروح ليست خطرة، بسبب العبوة وتدافع تلاها. وأظهرت صور نُشرت على موقع «تويتر» عبوة في دلو أبيض مشتعل وُضع في كيس بلاستيك قرب بوابة آلية، وخرجت منه أسلاك كهربائية تدلت كما يبدو من سقف العربة. وأوردت وسائل إعلام بريطانية أن القنبلة تضمّنت جهاز توقيت. وأعلن قائد وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية مارك رولي «وقوع انفجار»، متحدثاً عن «تفجير عبوة ناسفة يدوية الصنع»، علماً أن مفتش الشرطة نيل باسو، وهو المنسق الوطني لشرطة مكافحة الإرهاب، أشار إلى عمل «إرهابي». ونقلت شبكة «سكاي نيوز» عن مصادر، أن العبوة لم تنفجر في شكل كامل، فيما رجّح هانز ميشالز، أستاذ الهندسة الكيماوية في إمبريال كوليج في لندن، «نجاح الانفجار جزئياً». وقال ماغنوس رانستورب، وهو محلل لشؤون الإرهاب في جامعة الدفاع السويدية، إن الصور توحي بأن القنبلة لم تفجر تماماً، معتبراً أن ركاب القطار «كانوا محظوظين»، إذ لم يتحوّل الأمر «أسوأ بكثير». وبثّت «سكاي نيوز» أن أجهزة الأمن حدّدت هوية مشبوه شارك في التفجير، مستعينة بصور كاميرات مراقبة. وأعلنت الشرطة أن مئات من عناصرها يشنّون حملة مطاردة لتوقيفه، بمساعدة عملاء لأجهزة الاستخبارات البريطانية. وذكر شاهد أنه رأى «كرة من لهب» في العربة، فيما تحدث آخر عن «دويّ عنيف»، وأشار ثالث إلى «أناس يصرخون ويندفعون إلى السلالم»، لافتاً إلى «رائحة بلاستيك محترق». وأدى التفجير إلى وقف حركة القطارات بين محطتي ويمبلدون وإدغوير رود، كما أُغلق جزء من الخط الذي يصل بين محطتَي هاي ستريت كينزنغتون وإدغوير رود، بعد وقت وجيز على إعادة فتحه. وأوردت صحيفة «برمنغهام ميل» أن الشرطة أوقفت رجلاً يحمل سكيناً قرب محطة قطارات نيو ستريت في برمنغهام. ونددت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بهجوم «جبان»، معتبرة أنه استهدف «التسبّب بأضرار ضخمة». وأعربت بعد اجتماع طارئ للحكومة عن تعاطفها مع المصابين، مشيدة بأجهزة الطوارئ «التي تحرّكت مرة أخرى وبشجاعة للردّ على العمل الإرهابي». لكن السلطات أبقت على مستوى الإنذار عند «المرحلة الحرجة» التي تشير إلى اعتداء «محتمل جداً»، ولم ترفعه إلى المستوى الأول. وحضّ وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون مواطنيه على «التحلّي بالهدوء ومواصلة حياتهم في طريقة طبيعية قدر الإمكان». وندد رئيس بلدية لندن صديق خان ب «أفراد حقيرين يحاولون استخدام الإرهاب للمسّ بنا وتدمير نمط عيشنا»، وزاد: «لن نسمح أبداً بترهيبنا أو بأن يهزمنا الإرهاب». ودعت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل إلى «تكثيف وتحسين مكافحة الإرهاب الإسلامي دولياً»، فيما نبّه رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب إلى «مستوى مرتفع من التهديد، علينا مواجهته لضمان أفضل الظروف الأمنية الممكنة». أما ترامب، فتحدث عن «أمر مفزع»، قائلاً: «علينا أن نكون أكثر صرامة وذكاء». وكتب على موقع «تويتر»: «هجوم آخر في لندن ينفذه إرهابي فاشل. إنهم مرضى مخبولون كانوا في متناول يد سكوتلانديارد. يجب اتخاذ إجراءات استباقية! يجب التعامل مع الإرهابيين الفاشلين بطريقة أكثر صرامة. الإنترنت أداتهم الرئيسة في التجنيد التي علينا أن نوقفها». واعتبر أن حظراً على دخول مواطني 6 دول شرق أوسطية الولاياتالمتحدة يجب أن يكون «أوسع بكثير وأكثر صرامة وتحديداً، ولكن بغباء لن يكون ذلك أمراً صائباً سياسياً». وأثار اتهام ترامب أجهزة الأمن البريطانية بالتقصير غضب ماي، إذ اعتبرت أنها «لا تساعد أبداً»، مضيفة: «أعتقد بأن ليس مفيداً لأحد التكهن عمّا ينطوي عليه تحقيق مفتوح». وقال نيك تيموثي، وهو مدير سابق لمكتب ماي، إن تعليق ترامب «ليس مفيداً من قائد حليفتنا وشريكتنا في الاستخبارات». وفي وقت لاحق، أعلن البيت الأبيض أن ترامب تعهد لماي في اتصال هاتفي «مواصلة التعاون الوثيق مع المملكة المتحدة لوقف الهجمات في العالم، والتي تستهدف مدنيين أبرياء، ومكافحة التطرف». وكان مسؤول حكومي أميركي بارز شكّك في أن يكون ترامب مطلعاً على معلومات لأجهزة الأمن في الولاياتالمتحدة تدعم تعليقه، علماً أن مجلة «إنسباير» الإلكترونية التي يصدرها تنظيم «القاعدة» كانت دعت أنصار التنظيم إلى شنّ هجمات على القطارات.