دخلت الدول العربية أمس على خط الجهود الغربية لفرض حظر جوي فوق ليبيا لمنع القوات الموالية للعقيد معمر القذافي من التقدم في اتجاه المناطق التي يسيطر عليها معارضوه في الشرق. إذ أفيد أن دولاً عربية يمكن أن تفرض الحظر الجوي بالتعاون مع الاتحاد الافريقي، في مسعى لتجنّب التدخل العسكري الأميركي الذي لا يبدو أنه يحظى باجماع حالياً. وعلمت «الحياة» أن ثمة اقتراحات بإرسال وفد عربي إلى ليبيا للتفاوض مع الزعيم الليبي وأسرته على تأمين خروجهم إلى المنفى. ويأتي ذلك في وقت أقر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بأن الحظر الجوي على ليبيا لا يمكن أن يفرض من دون توجيه ضربات عسكرية تدمر الدفاعات الجوية الليبية، وفي وقت قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن قرار الحظر الجوي ليس وشيكاً، مقرة بأن هناك مخاوف من أن تصير ليبيا «صومالاً كبيراً» ينشط فيها تنظيم «القاعدة». ومُنيت القوات الموالية للعقيد القذافي بنكسة جديدة أمس عندما حاولت التقدّم للمرة الأولى في اتجاه شرق البلاد الخاضع لسيطرة الثوار منذ الأيام الأولى للانتفاضة ضد حكم الشهر الماضي. إذ تمكّن الثوار بعد الظهر من استعادة السيطرة على البريقة القريبة من مدينة أجدابيا، بوابة الشرق، بعد معارك عنيفة بدأت عندما فاجأت قوات القذافي الثوار فجراً بدخولها المدينة التي تحوي مرفأ بحرياً ومطاراً. وجاءت نكسة القذافي في الشرق في ظل هدوء لافت للمواجهات في الغرب، خصوصاً في الزاوية الواقعة غرب طرابلس ومصراتة إلى الشرق منها، وكلاهما تعرّض لهجمات شديدة من مناصري القذافي في الأيام الماضية لكنهم فشلوا في استعادة السيطرة عليهما من الثوار. ويقول مراقبون إن الأنظار يجب أن تتجه الآن إلى يوم الجمعة حيث دعا المعارضون إلى احتجاجات واسعة ضد القذافي بعد الخروج من المساجد، بما في ذلك طرابلس التي يسيطر عليها الزعيم الليبي في شكل شبه كامل. وأفاد معارضون بان قوات الكتيبة ال 32 التابعة لخميس القذافي، نجل الزعيم الليبي، تفرض طوقاً أمنياً محكماً على العاصمة من الاتجاهات كافة لضمان عدم دخول عناصر من خارجها للمشاركة في احتجاجات يوم الجمعة. وشارك الزعيم الليبي القذافي في مؤتمر في طرابلس أمس لمناسة ذكرى إعلان قيام النظام الجماهيري العام 1977، وبدا غير مكترث بتزايد الضغوط الداخلية والخارجية عليه. وكرر القذافي هجومه على مناوئي حكمه واعتبر أن تنظيم «القاعدة» وراء تحريكهم وأن الدول الغربية مشاركة في مؤامرة ضد نظامه طمعاً في نفط ليبيا. ولوّح في خطابه الذي استمر ساعات بفتح السوق الليبية أمام الشركات الصينية والهندية لتعويض خسارة الشركات الغربية التي سحبت موظفيها من البلاد. وعرض العفو عن الشبان الثائرين، وأعلن قبوله بلجنة دولية لتقصي الحقائق عما جرى من عنف في البلاد، قائلاً إن التظاهرات السلمية في ليبيا يقوم بها أنصاره بينما الاحتجاجات التي قام بها المعارضون لا تُعتبر تظاهرات سلمية لأنها تضمنت هجمات على مركز الأمن وأسفرت عن مقتل عسكريين بعضم ذُبح أو شُنق في الأماكن العامة. وكرر الزعيم الليبي تحذيره من أي تدخل غربي في بلاده، قائلاً إن آلاف القتلى سيسقطون في ليبيا إذا ما حاول الأميركيون التدخل عسكرياً. وأكد أن الليبيين سيقاتلون «حتى آخر رجل وآخر إمرأة» القوات الأجنبية. وإذا كان القذافي لم يبد مكترثاً كثيراً بالضغوط الغربية المتزايدة لحمله على التنحي «فوراً»، كما قالت الإدارة الأميركية وبعض الدول الغربية، فإن موقفين لافتين صدرا في واشنطن أمس. تمثّل الأول في إعلان وزير الدفاع روبرت غيتس أن فرض الحظر الجوي على ليبيا لا يمكن فرضه سوى بعد القيام بتدمير الدفاعات الجوية التابعة لحكم القذافي، في أول تأكيد رسمي أن مثل هذه الخطوة لا يمكن فرضها بدون عمليات عسكرية تعارضها دول في حلف شمال الأطلسي ودول غربية أخرى بينها فرنسا التي كرر وزير خارجيتها آلان جوبيه رفضه، أمس، أي تدخل عسكري في ليبيا. وقال غيتس في جلسة برلمانية: «لنسم الاشياء بأسمائها. حظر الطيران يبدأ بهجوم على ليبيا لتدمير دفاعاتها الجوية... ثم يمكن فرض حظر للطيران في مختلف أنحاء البلاد من دون خوف أن يتعرض رجالنا لاسقاط طائراتهم». وأضاف أن فرض حظر طيران على ليبيا «يتطلب طائرات أكثر مما تحمله حاملة طائرات واحدة ولذا فهي عملية كبيرة في بلد كبير». أما الموقف الثاني فتمثّل في إقرار وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأن الولاياتالمتحدة «لا تزال بعيدة عن اتخاذ قرار» في شأن اقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا. وقالت في جلسة في الكونغرس: «اعتقد اليوم بأننا لا نزال بعيدين عن اتخاذ قرار من هذا النوع». وأضافت أن من بين أكبر مخاوفها أن تصير ليبيا ملاذاً ل «القاعدة» كما هو الحال في الصومال. وقالت: «من أكبر مخاوفنا أن تنزلق ليبيا الى الفوضى وتصير صومالاً كبيراً. هذا أمر لا نتوقعه حالياً لكن كثيراً من نشطاء القاعدة في أفغانستان ومن ثم العراق جاؤوا من ليبيا وجاؤوا من شرق ليبيا الذي يسمى الآن منطقة ليبيا الحرة». وأشارت وكالة «فرانس برس» في تقرير من بروكسيل إلى أن هناك انقساماً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شأن التدخل العسكري في ليبيا. ولفتت إلى أن تركيا، العضو في الحلف، ترفض هذه الفكرة. كما ان موسكو التي تتعاون مع الحلف الأطلسي متيقظة أيضاً لهذا الأمر، إذ قال مندوبها الدائم لدى حلف «الناتو» ديمتري روغوزين «إن الأحداث الأخيرة تعطي ذريعة للحلف الأطلسي ليحاول الانغراس في هذه المنطقة بحجة انه يريد تأمين الوضع في افريقيا الشمالية». وفي القاهرة، شدد الأمين العام للجامعة عمرو موسى، في مؤتمر صحافي مشترك عقب ختام اجتماع مجلس الجامعة، على رفض التدخل الأجنبي في ليبيا. واكد حق الشعب الليبي في التعبير عن رأيه، وقال «حيينا الثورة في تونس ومصر وليبيا». وأعرب عن اعتقاده بأنه لا يتوقع تدخلاً عسكرياً في ليبيا، و «الشعب يعبّر عن رأيه ويجب أن يعبّر عن رأيه والا يكون عرضة للهجوم الأجنبي، وهو ما أكدناه في شدة آخذين في الاعتبار قرار مجلس الأمن تحت البند السابع». وتابع: «نشعر بالقلق، ونحن منزعجون ونأمل بأن ينتهي هذا الوضع قريبا حتى يتسنى تجنب مخاطر اضافية لوحدة الشعب الليبي». وقال: «لن نترك المجال للقوات الاميركية»، مشيراً إلى «أننا تلقينا تقارير قبل ساعات من أن القوات الأميركية ليست بصدد اتخاذ موقف سريع للهجوم، وقررنا (وزراء الخارجية العرب) أننا ضد التدخل الاجنبي. نريد ان ننقذ الشعب الليبي وندعو القيادة الليبية إلى وقف الهجمات ضد الشعب». وأضاف أن «الدول العربية لن تقف مكتوفة الأيدي بما في ذلك فرض الحظر الجوي (على ليبيا) بالتنسيق مع الاتحاد الافريقي». وأكدت مصادر ديبلوماسية تشارك في اجتماعات وزراء الخارجية العرب أن هناك عدداً من الاقتراحات العربية في شأن إيجاد مخرج للأزمة الليبية، وأن هناك اقتراحاً بأن يتشكل وفد من مصر والجزائر يطير إلى ليبيا لفتح حوار مع الرئيس الليبي وأولاده من أجل إيجاد مخرج آمن للرئيس الليبي يضمن سلامة الشعب الليبي وسلامة أسرته.