قرأت قائمة بحكّام من حول العالم سجلوا أطول مدة بقاء في الحكم، ووجدت ان معمر القذافي يتقدم الجميع، ويقترب من 42 سنة وهو جاثم على صدر الشعب الليبي. والقائمة ضمت بعد ذلك الرئيس علي عبدالله صالح ثم رؤساء من أفريقيا وأوزبكستان وكازخستان، وبين هذا وذاك عمر البشير. كلهم ديموقراطي من شوشته، أو ما بقي منها، وحتى أخمص قدميه، غير انني أريد أن آخذ استراحة من السياسة اليوم لأكتفي ببعض الطرف على هامش الزلزال الثوري الشعبي الذي هز المنطقة العربية في الأسابيع الأخيرة، وقد سمعت بعد أن بطش القذافي بشعبه ان المصريين قالوا: «اللي يشوف ثورة غيره تهون عليه ثورته». المصريون يظلون أصحاب أخف دم في العالم، وأعرف أستاذة جامعية مصرية درست في الخارج، وبقيت إسلامية جداً، محجبة لا تسلّم على الرجال باليد، فكنت أزعم انني مشتاق وانها «واحشاني»، وأريد أن أضمها وأعانقها، وترد باسمة «لأ، ما يصحّش». وقلت لها مرة «وبعدين معاك» فقالت: «إذا كنت حا خالف أمر ربنا مش حيكون معاك». وهكذا فهي تقول ان شكلي لا يشجع على المعصية التي تتطلب شاباً وسيماً، مع انني أعرف انها أبعد الناس عن مجرد التفكير بهذه الأمور، غير ان ردها اللاذع يعكس روح النكتة الغالبة. الانتفاضة التونسية والثورة المصرية أطلقتا سيلاً من الطرف والقصص الضاحكة والشعارات، وأختار شخصياً من الأخيرة الذي حمل لافتة تقول: «ارحلْ ايدي تعبت»، والذي قالت لافتته: «لو كان عفريت كان طلع». كثير مما قرأت ورأيت كان مكرراً، وأذكره من حالات مشابهة في السابق، في بلادنا والخارج. غير ان بعضاً آخر كان مبتكراً، مثل أن يكون مؤتمر القمة العربي القادم حفلة تعارف بين القادة الجدد. وكنت سمعت بعد أن توالى على الحكم في بلدان عربية قادة شباب نكتة تعود الى قمة عربية في مصر والرئيس مبارك يقول للجرسون: جيب قهوة للكبار وكازوزة للعيال. هذه المرة سمعت ان المتظاهرين في البحرين أرسلوا الى مصر طلباً عاجلاً لإرسال 750 ألف متظاهر اليهم، لأنهم يريدون أن ينظموا تظاهرة مليونية. القذافي نفسه «نكتة» إلا انه نكتة سمجة كادت أن تقصف مستقبل الشعب الليبي، وقرأت على ذمة الإنترنت من أقوال العقيد: - للمرأة حق الترشح سواء كانت ذكراً أو أنثى. - أيها الشعب، لولا الكهرباء لجلسنا نراقب التلفاز في الظلام. - أنا لست دكتاتوراً لأغلق الفايسبوك. لكن سأعتقل من يدخل عليه. - كل من يقتل نفسه حرقاً يسجن خمس سنوات. - تظاهروا كما تشاؤون، ولكن لا تخرجوا الى الشوارع والميادين. - سأظل في ليبيا الى أن أموت ويوافيني الأجل (أو يوافي الشعب قبله). - بر الوالدين أهم من طاعة أمك وأبيك. - الديموقراطية (ديموكراسي) تعني ديمومة الكراسي. هل قال العقيد ما سبق؟ لا أؤكده ولا أنفيه، فهو قادر على أكثر منه. وسمعته مرة يقول لمذيعة تجري معه حواراً تلفزيونياً حيّاً، قرب نهاية 2004، انها غبية وإِن الذين معها في الأستوديو أغبياء مثلها مع انهم كانوا صحافيين ومفكرين بارزين. وكان يفترض أن أنقذ الموقف إلا انني غضبت من سوء أدبه وقلت له على الهاتف من بيروت ان الجماهيرية خطأ في اللغة (كما هي في الدول) فالقاعدة ان ترد الكلمة الى المفرد لصوغ النسبة منها، مع وجود استثناءات ليست هذه الكلمة من بينها، فجمهور وحدها اسم جمع، أما جماهير فجمع الجمع، أو ما يسمونه بالعربية صيغة منتهى الجموع. اليوم القذافي من «العشرة المبشّرين بجدة»، ويبقى ان تعجل الحكومة السعودية ببناء فيلات مع برك سباحة تليق بالقادة الساقطين، وكلنا يذكر ان القذافي خطط لاغتيال الأمير عبدالله بن عبدالعزيز (الملك الآن)، ولا أعرف ان كان كرم الضيافة السعودي يتسع لهذا المتآمر الذي سمعت ان الشعب الليبي تظاهر مطالباً بمن يشرح له معنى خطاب العقيد. الشاعر القديم سبقنا الى الشرح فقال: خطبتَ فكنتَ خطباً لا خطيباً/ يضاف الى مصائبنا العظام. وهو مصيبة، وشر البلية ما يضحك. [email protected]