نشأت في قرية وكبرت وأنا أرى ذاك العجلوني المتزوج من ابنة قريتي، كان يلقب بالبدوي ولم أعرف السبب، هل لأنه كان يرعى الغنم في شبابه، أو أنه اسم عائلته. عاش ومات بصمت قبل سنوات ولم ينجب، كنت أسمع أنه من عنجرة في قضاء عجلون. وكنت أعلم أن زوجة عم أبي هي من السلط من عائلة أبو رمان، تزوجت في بداية القرن الماضي ثم لا يزال ابنها العجوز يسكن على مشارف عمان بعد عودته من الكويت، وزرته ورأيت أقاربه من عائلة أبو رمان في بيته. التقيت بشخص يحمل اسم عائلة «السلطي» في جدة قبل عشر سنوات وسألته: هل أنت أردني، فقال: لا، أنا فلسطيني سوري لكن عائلتنا هاجرت من السلط في قديم الزمان إلى داخل فلسطين وهي من عائلة فواعير/ فواعرة، لا أذكر، ثم لجأت عام 1948 إلى سورية. ابن عمتي وأقارب لي كثيرون متزوجون وأنسباء لشرق أردنيين كثيرين ولم أجد فارقاً في العادات والتقاليد ولا تقاسيم الوجوه ولا ملامح الفقر! أعرف أن فخذاً من عائلتي الأم باعوا أرضهم لجدي وهاجروا إلى شرق الأردن عام 1927 وفق الحجة التي اطلعت عليها، كانوا من عائلة أبو عابد ولا أدري إن كان لاعب الكرة الشهير في المنتخب الأردني منها! لم نعد نعرف عنهم شيئاً. أعتقد بأنهم الآن أردنيون أصليون، وليسوا نسخة مزورة! تسمى قريتي قرية قصرة، جنوب شرقي نابلس، وهي تشرف على غور الأردن وجبال السلط التي تراها بوضوح وترى سياراتها المتحركة في الليل، وأجد عائلة «القصراوي» في عورتا وقرى عدة في جنين والخليل «القصراوي التميمي» والأردن. وحدثني صديق من الكرك أن هناك عائلة «القصراوي» في الكرك وهم أردنيون أصليون. أسمع من الكبار أن أهل قرية النعيمة – إربد، على ما أذكر، هم أصلاً من قرية قصرة في فلسطين، هاجروا قبل عقود طويلة قبل إنشاء المملكة. تذهب إلى ساكب في جرش في الأردن تجد عائلتين شهيرتين عياصرة (من عصيرة) وبوارنة (بورين - نابلس) يسمون أردنيين أصليين وأهل عصيرة وبورين في فلسطين فلسطينيون أصليون. تذهب إلى السلط، التي كانت تابعة للواء نابلس أيام الحكم العثماني ستجد عائلة العمد وطوقان وملحس وغيرها من العائلات ذات الأصل والامتداد في فلسطين حتى الآن. من يذهب إلى السلط والكرك والخليل وجنين وإربد وغيرها من المدن يعرف أن كثيراً من العائلات مشتركة، شرق النهر وغربه. ستجد في الشمال عائلات مثل جرادات، فريحات، العمري، الزعبي، عبيدات، ربابعة، وغيرها في شمال شرقي النهر (أردني) وشمال غربي النهر (فلسطيني)، وأعتقد ذلك في الوسط والجنوب كعائلات العمايرة (السلط) والقيسي، والمجالي (من الخليل أصلاً) في الكرك، وعائلات الكركي (الكرك) والشوبكي (الشوبك) في الخليل، وبني حسن والعبادي في مناطق القدس، وضمرة وخريشة في فلسطين، والضمور والخريشة في الأردن وغيرها. لدي صداقات كثيرة من شرق النهر وغربه، ودخلت بيوتهم وأكلت معهم، لم أجد أن نهر الأردن فاصل اجتماعي أو ثقافي أو تاريخي أو جغرافي! انصهر الناس خلال الستين عاماً الماضية وتصاهروا وتجاوروا وتناسبوا ولا يزالون يتحدثون عن رقم وطني ورقم شخص وكرت أخضر وأصفر! (وأحمر لي من الجميع). هذه أمثلة بسيطة جداً وكل واحد منا يعرف حقائق وقصصاً أكثر منها بكثير. أردت من هذه المقدمة أن أقول إنني لا أعرف حتى الآن كيف أفصل هذا الشعب، شرقي الأردن وغربه! هل هو أردني أم فلسطيني أم كشكول! يخطر في بالي سؤالان أرغب دائماً بتوجيههما الى الجميع وعائلة الزعبي كذلك، على سبيل المثال لا الحصر: 1 - هل حنين الزعبي العضو الشجاع في الكنسيت الإسرائيلي، فلسطينية أم إسرائيلية أم أردنية أم سورية، أم زعبية، أم بدون؟ خصوصاً إذا عرفنا أن عائلة الزعبي منتشرة في فلسطين والأردن وسورية. 2 - ماذا أسمي أنا، الذي أسكن الضفة الغربية، غور الأردن الذي يقع نصفه الغربي في فلسطين، هل أغير اسمه إلى «غور فلسطين» ليصبح فلسطينياً؟ هو غور الأردن ذاته شرق الأردن وغربه، شرق فلسطين وغربها! أسخر كثيراً من السياسيين وأشباه الكتاب والمثقفين المنافقين والدجالين شرق الأردن وغربه عندما يتحدثون عن هوية وطنية وشعبين لا يروي نهرهما بقرة بلدية أو عنزة شامية! أسخر كثيراً عندما أرى كل واحد منهم يخفي أصله وتاريخه العائلي سواء كان شرقياً أو غربياً! إن قلت إنني لا أعترف ولا أريد أن أعترف بنهر الأردن كفاصل بين شعبين حتى لو علقني التنابل والهياكل على مشنقة على جسر الملك حسين، سيثور علي كل العنصريين وتنابل سايكس وبيكو شرق النهر وغربه، لكن لا بأس في أن يقولوا ويثوروا، فهم ليسوا أكثر من منفصمي شخصية ومعدومي هوية، وأنا لست كذلك!