ظلت أطراف الأكثرية التي ستتشكل منها الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، تتأرجح بين من يدعو الى التريث في عملية التأليف في انتظار تطورات معينة ووجوب تأجيل التأليف الى أن ينقشع الموقف السياسي أكثر، الى ما بعد المهرجان الشعبي الذي دعت اليه قوى المعارضة الجديدة في 14 آذار (مارس) من الشهر الجاري، وبين من يدعو الى استعجال التأليف والإقلاع عن سياسة الانتظار وحسم الأمر بإصدار التشكيلة الحكومية العتيدة لأن التأخير لن يضيف شيئاً جديداً على العناصر التي يمكن أن تتشكل منها التركيبة الحكومية. وإذ تأمل أوساط في الأكثرية الجديدة بحسم هذا التأرجح خلال الأيام القريبة، لا سيما بعد أن حسمت قوى 14 آذار قرارها بعدم المشاركة في الحكومة في اجتماعها الموسع أول من أمس، فإن حجة الانتظار الى ما بعد 14 آذار لدى من يرون التأخير لم تكن مرتبطة بقرار الأقلية الجديدة المشاركة أو عدمها. وتقول مصادر في الأكثرية الجديدة ل «الحياة» ان أصحاب وجهة النظر القائلة بتأخير التأليف يستندون الى حجج عدة منها: 1 - ان انتظار انقضاء مناسبة 14 آذار والمهرجان الذي سينظم لهذه المناسبة يسمح باستنفاد المعارضة الجديدة جزءاً مهماً من حملتها السياسية خلال المهرجان في شأن المحكمة والسلاح، ليتم تشكيل الحكومة بعد ذلك، بدلاً من تشكيلها قبل 14 آذار، ما يحول المهرجان منبراً للهجوم على الحكومة وتركيبتها فتصبح منذ ولادتها مادة للتصويب عليها والتحريض على طريقة تأليفها. وتشير مصادر الأكثرية الى أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي يؤيد بوضوح جهة النظر هذه، لا سيما في ظل استمرار العقد القائمة أمام عملية التأليف بفعل شروط زعيم «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون، وبسبب قلة الشخصيات السنّية المستعدة للقبول بمنصب وزاري إذا لم يكن تيار «المستقبل» ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري يوافقان على تغطية مشاركتها في الحكومة. ويرى الداعون الى التأجيل انه قد تطرأ تطورات تتيح تمثيل بعض الشخصيات السنّية المقبولة، بحيث يحرج ذلك من يريدون الهجوم على الحكومة بسبب التمثيل السنّي فيها. 2 - ان تأليف الحكومة في النصف الثاني من شهر آذار يوفّر على الحكومة ان تتعامل مع احتمال صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي تشير معطيات الى احتمال صدوره في النصف الأول من هذا الشهر (يتردد أن قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين قد يجيز إصداره بين 6 و8 آذار). وبالتالي فإن صدوره قبل تأليف الحكومة يعفي ميقاتي وحكومته من التعامل معه مباشرة مع الإعلان عنه، وكذلك مع ردود الفعل عليه ويجنبها خضة سياسية ومطالبات من قوى 14 آذار أو من قوى 8 آذار بالرد عليه أو بالوقوف ضد ما يتضمنه ويؤجل هذا الأمر الى ما بعد تأليفها، إثر صدوره، بحيث تكون العقول بردت من الجهتين. إلا ان وجهة النظر الأخرى في الأكثرية الجديدة ترى أن مقابل هاتين الذريعتين لتأخير التأليف هناك حججاً عدة تستدعي حسم الموقف والإسراع في إصدار مراسيم الحكومة منها: 1 - ان قوى 14 آذار لن توقف هجومها على الحكومة بعد مهرجانها المنتظر، وهي لن توفر الحكومة عند صدور مراسيمها لأنها اختارت طريق المعارضة المفتوحة. وطبيعة الأحداث والتطورات تعطي للمعارضة الجديدة فرصاً للهجوم على الحكومة في كل الأحوال بدءاً من تركيبتها التي ستطلق قوى 14 آذار النار عليها، ثم على بيانها الوزاري ثم خلال جلسات الثقة في المجلس النيابي التي لن توفر هذه القوى أياً منها للتصويب على الحكومة. وبالتالي فإن تأخير إخراجها الى النور لن يغيّر في الأمر شيئاً. 2 - ان انتظار صدور القرار الاتهامي لتتشكل الحكومة من بعده يخضع التأليف لعامل لا يمكن الأطراف المعنية بذلك التحكم بتوقيته أو حتى بتداعياته وردود الفعل إن حصلت بوجود الحكومة أو بعدم وجودها، لا سيما ان هناك شبه توافق على اتخاذ موقف من هذا القرار الاتهامي من جانب الحكومة في كل الأحوال، فضلاً عن أن مطلب عدم التعاون مع المحكمة الدولية وقرارها سيطرح على طاولة مجلس الوزراء عاجلاً أم آجلاً. بل ان وجهة نظر الداعين الى تسريع تأليف الحكومة وعدم انتظار أي من المحطات المرتقبة، تقول انه مثلما جرى تأخير صدور القرار الاتهامي في السابق لأسباب سياسية، فمن يضمن ألا يتم هذا التأجيل مرة أخرى، إذا كان هدف القوى الخارجية إظهار الأكثرية الجديدة غير قادرة على تشكيل الحكومة، بحيث يتم إحراجها وإضعافها أكثر فيتم تأجيل صدوره، طالما ان القوى المناهضة للمحكمة تريد الإمساك بالقرار السياسي من أجل فك ارتباط لبنان معها، فهل يبقى لبنان بلا حكومة في انتظار القرار الاتهامي ويتم تحميل قوى الأكثرية الجديدة مسؤولية غياب سلطة تنفيذية في البلاد فيستفيد من ذلك أركان المعارضة الجديدة لإظهار الأكثرية الجديدة عاجزة؟ إلا أن هذا السجال حول انتظار ما بعد 14 آذار لتأليف الحكومة أو استعجال التأليف قبله لا يلغي اقتناع طرفي السجال في الأكثرية الجديدة بأن هناك ظروفاً فوق طاقة الرئيس ميقاتي تؤخر التأليف، هي التي تؤخر صدور إشارات حاسمة بخفض سقف مطالب العماد ميشال عون في التركيبة الوزارية، لأن شروطه هي التي تحتاج الى معالجة من أجل الإسراع في التأليف، طالما ان ميقاتي تحرر من مبدأ إشراك قوى 14 آذار. وتشير أوساط قوى 8 آذار الى أن هذه الإشارات لتذليل العقبات من أمام التأليف يفترض أن تأتي من دمشق ومن «حزب الله»، وأن مداولات أجريت مع القيادة السورية من قبل بعض المحيطين بميقاتي لاستطلاع مدى استعدادها لدفع حلفائها الى تسهيل ولادة الحكومة وأن رد فعلها كان أنها مع تسهيل مهمة الرئيس المكلف. وإذ لا تخفي أوساط الأكثرية الجديدة ان لدى دمشق أسباباً لتأخير رمي ثقلها وراء استعجال التأليف، أهمها مراقبتها التطورات الحاصلة على الصعيد الإقليمي وانتظار تبلورها، فضلاً عن ترقبها لإمكان عودة التواصل بينها وبين القيادة السعودية، فإن هذه الأوساط تدعو الى رصد ما إذا كانت دمشق ستبعث بإشارات لتسريع التشكيل خلال اليومين المقبلين، لأنها الأقدر على التأثير في حلفائها وخفض سقف مطالبهم. إلا أن معطيات المتابعين الموقف السوري في هذا الصدد أفادت حتى يوم أمس بأن التريث ما زال يغلب عليه بموازاة تشجيع الأطراف على مواصلة الجهود من أجل حلحلة العقد من أمام التأليف. وكانت آخر المحاولات التي بذلت من أجل خفض سقف مطالب عون أجريت قبل زهاء 10 أيام خلال اللقاء الذي جمعه مع رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط في منزل صديقهما المشترك المهندس عاصم سلام (أعلن جنبلاط عن اللقاء في مقابلة تلفزيونية الخميس الماضي)، لكنها لم تسفر عن نتائج عملية. وقالت مصادر المجتمعين إن عون ظل على مطالبه برفض إسناد حقيبة الداخلية الى شخصية مقربة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وعلى امتعاضه من إعطاء الأخير حصة في الحكومة، وعلى رفضه القاطع تولي الوزير الحالي للداخلية زياد بارود الحقيبة مجدداً في الحكومة، على رغم المحاولات التي بذلها جنبلاط معه من أجل إقناعه بضرورة التسليم بدور الرئاسة في تشكيل الحكومة وبحصة سليمان «الذي انتخبناه جميعاً». وأوضحت مصادر المجتمعين أن جنبلاط أكد لعون أنه ضد الكيدية في الحكومة المقبلة، سواء في التمثيل أم في قراراتها، وأنه مع مراعاة وضع الرئيس ميقاتي في التأليف، إلا ان عون لم يظهر استعداداً للتنازل عن مطالبه (التي أوضحها لاحقاً وهي 12 وزيراً في الحكومة الثلاثينية، مع الحصول على حقائب الداخلية والطاقة والاتصالات والعدل).