حاول النظام الليبي ركوب قوارب نجاة عدة، لكن بين أطرفها محاولة أبناء العقيد معمر القذافي استثمار علاقاتهم السابقة ببعض علماء السعودية ممن زاروا ليبيا لقول أي كلمة تطفئ غضب الشعب المتأجج ضد النظام الذي يرى محللون أنه يوشك على الغرق. إلا أن القذاذفة الذين اعتادوا على أنه لا يُرد لهم طلب، ضجروا من رد فعل السعوديين الذين رفضوا خوض مهمة إنقاذ يخشون عواقبها. فالداعية سلمان العودة الذي قام إلى جانب الشيخ عبدالوهاب الطريري بزيارة لليبيا في حزيران (يونيو) الماضي، أسقط القول الذي خاطب به القرآن الكريم فرعون مصر على سيف الإسلام القذافي فقال: «الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين». لكن الطلب والرد عليه اللذين كانا سراً، تحولا سريعاً إلى مواجهة مفتوحة على الفضائيات بين العودة وسيف الإسلام، إذ أكد الأول لإحدى القنوات رفضه التجاوب وأن الشعب الليبي يعاني ظلماً وقهراً وتهميشاً، فيما رد الثاني بأن «هؤلاء المشايخ كانوا يأتوننا ويمسحون أحذيتنا»! ولم يتوقف السجال عند هذا الحد، إذ خاض الساعدي القذافي والشيخ عايض القرني مواجهة إعلامية مماثلة. ذلك أن الساعدي طلب - في ما نقل عنه القرني - أن يدين الأخير الاحتجاجات ويدعو إلى الهدوء، إلا أن الشيخ رفض طلب القذافي وبدلاً من أن يهدئ صعّد اللهجة ضد النظام الليبي وبارك الثورة ودعا إلى الشهادة والانضمام إلى المحتجين. وليس واضحاً بعد إن كان الساعدي سيرد بدوره مهاجماً القرني. وهكذا لم يبق من المشايخ السعوديين الذين زاروا ليبيا من لم يتواصل معه مضيفه من أبناء القذافي، إلا الشيخ عبدالوهاب الطريري الذي لم يعتد الظهور في وسائل الإعلام كثيراً. ومن أبناء القذافي المؤثرين في المشهد الدعوي الدكتورة عائشة التي علمت «الحياة» أنها هي الأخرى «حاولت الاتصال عبر سكرتيرتها نرجس بأحد العلماء السعوديين، لكنه رفض مكالمتها بسبب الانشغال، وتوقع أن أيام النظام الباقية أصبحت معدودة». إلى ذلك، نفى الشيخ عائض القرني زعم سيف الإسلام أن المشايخ كانوا يمسحون أحذية القذافي، وقال ل «الحياة»: «نحن دُعينا لإلقاء المحاضرات من جانب جمعيات إسلامية يشرف عليها أبناء العقيد لكننا لم نتلق منهم ريالاً أو ديناراً واحداً، ومعظم ما قاله سيف الإسلام على هذا الصعيد محض افتراء». وانتقد القرني استخدام النظام الليبي لأقوال علماء في السعودية بطريقة غير مشروعة، إذ قال إن معلومات أبلغه بها مواطنون ليبيون أفادوا بأن الحكومة الليبية عممت رسائل نصية عبر الجوال تؤكد أن «العالم السعودي صالح الفوزان يحرّم الخروج على ولي الأمر، ويدعو إلى السمع والطاعة». ويأتي هذا التصرف على رغم أن العقيد القذافي يعتبر علماء المملكة رجعيين، على حد زعمه. لكن ذلك لم يمنع نظامه من محاولة استغلال آرائهم، لأنها تحظى بصدقية لدى فئات عريضة من الشباب الليبي.