نائب أمير منطقة مكة يستقبل محافظ الطائف ويطلع على عددًا من التقارير    قصف مستمر على غزة لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية    سيناريوهات غامضة في ظل الغارات الإسرائيلية المتكررة على لبنان    أميركا تدعو الهند وباكستان إلى ضبط النفس    نائب وزير الخارجية يشارك في اجتماع وزراء خارجية دول البريكس بريو دي جانيرو    جيسوس بعد الخسارة: الإدارة لا تتحمل الهزيمة    دوريات الأمن بالعاصمة المقدسة: القبض على 4 صينيين لارتكابهم عمليات نصب واحتيال    قلعة شامخة    قوميز قبل مواجهة الشباب: سنلعب بروح النهائي على أرضنا وبين جماهيرنا    أمين منطقة القصيم: مبادرة سمو ولي العهد تجسد حرص القيادة    قطاع ومستشفى النماص يُنظّم فعالية "التوعية بالقولون العصبي"    "سيماكان" مدافع النصر : فريقنا سيقدم أفضل ما لديه من أجل الفوز والوصول إلى النهائي الآسيوي    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تُتوج بذهبية كرة القدم    أمير تبوك يستقبل محافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    المسار يسهم في نشر ثقافة المشي والتعرف على المواقع التراثية وجودة الحياة    الصوت وفلسفة المكان: من الهمسات إلى الانعكاسات    ورم المحتوى الهابط    من شعراء الشعر الشعبي في جازان.. علي بن حسين الحريصي    تنوع جغرافي وفرص بيئية واعدة    الداخلية تعلن اكتمال الجاهزية لاستقبال الحجاج    الموافقة على تعديل نظام رسوم الأراضي البيضاء    351 مليار ريال تسهيلات المصارف وشركات التمويل للمنشآت    أولى رحلات مبادرة "طريق مكة" تغادر من تركيا إلى المدينة المنورة    للعام السابع.. استمرار تنفيذ مبادرة طريق مكة في 7 دول    وزير الصناعة الثروة المعدنية يبدأ زيارة رسمية إلى دولة الكويت    أمير جازان يستقبل مدير فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمنطقة    نوفو نورديسك ولايفيرا توقعان مذكرة تفاهم لتمكين إنتاج مستحضرات سيماغلوتايد الپپتيد-1    محمد بن ناصر يتسلّم التقرير الختامي لفعاليات مهرجان "شتاء جازان 2025"    "هيئة تطوير حائل" تنضم رسمياً إلى الشبكة العالمية للمراصد الحضرية التابعة للأمم المتحدة    تجمع القصيم يفعّل برامج تحصينية شاملة استعدادًا لموسم الحج 1446ه    أولى رحلات المستفيدين من مبادرة طريق مكة تغادر مطار حضرة شاه الدولي ببنجلاديش    نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس المحكمة العامة بالقطيف    وزير الاستثمار يلتقي قطاع الأعمال بغرفة الشرقية    محمد بن ناصر يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة "من جمهورية باكستان الإسلامية    نجاح أول عملية زراعة كلى بمدينة الملك سعود الطبية    مدير مكتب صحيفة "الرأي" بجازان يحتفل بتخرج نجله مجاهد من قسم الهندسة الكيميائية بجامعة جازان    Saudi Signage & Labelling Expo يعود إلى الرياض لدعم الابتكار في سوق اللافتات في المملكة العربية السعودية البالغة قيمته 492 مليون دولار    "الصحة" تطلق المسح الصحي العالمي 2025    قوات الاحتلال تنفّذ عمليات هدم في رام الله والخليل    كشف النقاب عن مشروع «أرض التجارب لمستقبل النقل» في السعودية    رياح و امطار على عدة اجزاء من مناطق المملكة    المخزونات الغذائية والطبية تتناقص بشكل خطير في غزة    الهدد وصل منطقة جازان.. الأمانة العامة تعلن رسميًا عن الشوارع والأحياء التي تشملها خطة إزالة العشوائيات    الأمير فيصل بن سلمان:"لجنة البحوث" تعزز توثيق التاريخ الوطني    في الجولة 31 من يلو.. نيوم لحسم اللقب.. والحزم للاقتراب من الوصافة    الضيف وضيفه    الانتخابات العراقية بين تعقيدات الخريطة وضغوط المال والسلاح    "مركز استهداف التمويل": جهود فعالة ورائدة في مكافحة جريمة الإرهاب وتمويله    أمير مكة: دعم سخي يؤكد تلمس حاجات المواطن    بوتين يعلن هدنة مؤقتة في ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي    النصر يتوج بكأس دوري أبطال آسيا الإلكترونية للنخبة 2025    زواجات أملج .. أرواح تتلاقى    أمير المدينة يدشّن مرافق المتحف الدولي للسيرة النبوية    حكاية أطفال الأنابيب (2)    محافظ محايل يكرم العاملين والشركاء في مبادرة "أجاويد 3"    جامعة جدة تحتفي بتخريج الدفعة العاشرة من طلابها وطالباتها    السعودية تمتلك تجارب رائدة في تعزيز ممارسات الصيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في معنى «إسقاط النظام»
نشر في الحياة يوم 27 - 02 - 2011

هنا مجموعة من التأملات من وحي الثورة التونسية، قد تكون قابلة للتعميم على مصر وغيرها من البلدان الثائرة وقد لا تكون.
في تونس، ابتدع المحتجون شعاراً أصبح معروفاً في العالم كله: «الشعب يريد إسقاط النظام». يمثل الشعار نقلة نوعية في الخطاب الاحتجاجي العربي بما أنه لم يُقتبس من أيديولوجيات، بل من بيت لشاعر تونس الأكبر أبي القاسم الشابي (إذا الشعب يوماً أراد الحياة/ فلا بدّ أن يستجيب القدر). وقد «أراد» الشعب وحقّق مراده وأسقط النظام بمعنى إسقاط رموزه المحسوسة، وكان سهلاً على الشعب أن يتوحّد في الإرادة والعمل طالما كان الهدف ذا طبيعة محسوسة (الديكتاتور وعائلته).
أما إسقاط النظام بالمعنى العميق فأبعد من ذلك وأصعب منالاً. وإذا ما اقتصرنا على الجانب السياسي في القضية الذي لا يعدو أن يكون جزءاً من كلّ، فإن إسقاط المستبد يوفّر فرصة تاريخية نادرة للتخلص من الاستبداد ذاته، كي لا يسمح بظهور مستبدّ جديد بعد سنوات أو تقاسم الاستبداد بين مجموعة تحتكر تمثيلية الثورة. لا يمكن الحديث عن ثورة إلا في ظل تحقق الهدف الثاني، فالثورة قطيعة مع الماضي وماضي الاستبداد قديم جدّاً في المجتمعات العربية والإسلامية. وواقع الاستبداد العربي مستمر من الفتنة الكبرى إلى القرن الحادي والعشرين. وقد اقترن الحكم بالسيف وتماهت السلطة بالعنف في الثقافة السياسية لمجتمعاتنا. منذ أربعة عشر قرناً لا يكاد يوجد حاكم عربي أو مسلم اختار أن يترك كرسي الحكم طوعاً، وكانت ولاية كل حاكم تنتهي بموته أو اغتياله. الحكم ظل بالوراثة حتى في الأنظمة الجمهورية، فعندما شعر الرئيس المخلوع ابن علي بقرب الأجل بدأ بإعداد صهره لخلافته (بسبب صغر سن ابنه) وأسس له إذاعة دينية ومصرفاً إسلامياً وأحاطه بالوعاظ ليهيء الرأي العام لبيعة من صنف ما كان يعده السلاطين سابقاً ويفعّل في الوعي الشعبي قابلية قديمة للتسليم بالاستبداد، لكن الرياح قد جرت بغير ما أراده.
البديل معروف، إنه النظام الأقل سوءاً الذي ابتدعته البشرية، يعني الديموقراطية التي لم تنشأ من داخل التراث العربي والإسلامي وإنما ارتبطت بتجارب مجتمعات أخرى قبل أن تصبح قيمة كونية مشتركة. يتعين تطويع هذا التراث كي يتقبلها بعمق ولا يجعلها مجرد شعار للتغطية على استبداد جديد. ونرجو أن يدخل العرب عصر الديموقراطية بفضل رياح التغيير التي تهب الآن في كل مكان وتطيح بالعتاة أو تدفع غيرهم إلى الإصلاح العميق. لكن ينبغي أن نتواضع ونقرّ بأننا ندخل هذا العصر متأخرين بالمقارنة بغالبية شعوب الأرض، وقد سبقنا البعض بعدة قرون. ونحن لن نعيد اختراع العجلة لكن لفرط طول عصر الاستبداد لدينا لم نبدأ إلاّ اليوم بالاستفادة مما خبره غيرنا قبلنا. ولذلك تبعات لا بدّ أن نصارح أنفسنا ما إذا كنا نرضى حقّاً بالانصياع إليها، ومنها جعل الانتماء على أساس المواطنة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق الأساسية بصرف النظر عن الجنس والدين والمذهب والعرق والانتماء الجهوي. ومنها الامتناع عن توظيف الدين في السياسة، كي لا يضطر مفتي تونس أن يعلن قبل الثورة أن الانتحار حرام ويفسر ضعف التنمية بتلكؤ الناس عن إخراج الزكاة والصدقات، ثم يعود بعد الثورة مباركاً لها ويعضدها بالآيات والأحاديث. ومنها اعتبار أن تونس لم تولد اليوم وأن مرحلتها الحديثة نشأت مع الحركة الإصلاحية التي قادها خير الدين في القرن التاسع عشر ثم مع المجلس التأسيسي الذي انعقد بعد الاستقلال. فشهداء اليوم يواصلون شهداء ثورات الأمس وينبغي أن نكون أوفياء لهم جميعاً.
بيد أن مشروع التحديث لم يكن في جوهره ديموقراطياً، لذلك ظل نخبوياً حتى عندما تحوّل خير الدين من التنظير إلى رئاسة الوزراء، ثم انحرف سريعاً حين استأثر بورقيبة بأجهزة السلطة بعد أن صاغ المجلس التأسيسي الدستور الجديد. مع ذلك، ينبغي أن نتخذ من ذلك التطلع الحداثي منطلقنا اليوم بما أن الثورة قد قامت على مبدئي الحرية والكرامة أساساً، بشرط أن نحوّله من النخبوية ليصبح تطلعاً شعبياً وجامعاً ولتقوم عليه الثقافة المواطنية الجديدة التي لن تسمح مستقبلاً باستعمال الحداثة شعاراً من دون مضمون.
مسار تعميق الحداثة من جهة ودمقرطتها من جهة أخرى مسار طويل وشاق ينبغي أن يرعاه المجتمع المدني ويرتفع عن الأداء السياسي المباشر الذي سيكون بالضرورة مخيباً في المراحل الأولى من التجربة الديموقراطية، بما أن الثقافة الديمقراطية ما زالت يانعة. لكن المهم أن نضمن شروط مجتمع مدني حيّ ومبدع وقادر على بناء المستقبل، ومنها المحافظة القوية على حرية التعبير السلمي بمختلف أشكاله، ورفض كل وضع يحول دون تداول السلطات في مختلف المستويات أو فرض الرأي الواحد أو السماح لطرف ما بفرض وصايته على الثورة واحتكار تمثيليتها. وكما يقول المفكر هشام جعيط في كتابه «أزمة الثقافة الإسلامية»: «إن الديموقراطية مثل الدين لا تعيش إلا في وسط اجتماعي مقتنع مسبقاً بحقيقتها، وهي مثل الدين تتطلب قلة من القادة يؤمنون بها من دون جدال ويطالبون الناس بالدخول فيها ثم يحدث ترسيخ...». لكنني أعتبر أن القادة هم ناشطو المجتمع المدني الذين ينأون بأنفسهم في المرحلة الحالية عن لعبة اقتسام الغنائم والمحاصصة الحزبية ويعملون من أجل توجيه مخاض الثورة الطويل إلى قطيعة عميقة مع بنى الاستبداد العميقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.