«عند حلول عام 2030، تتحول المؤسّسات كلّها إلى كيانات مستندة إلى التكنولوجيا. وبناءً على ذلك، تحتاج المؤسّسات اليوم إلى الشروع في التفكير جديّاً في البحث عن السبُل الكفيلة بحماية بنيتها التحتيّة وقواها العاملة مستقبلاً». بتلك الكلمات، وصفت شركة «ديل تكنولوجيز» Dell Technologies توقّعاتها للسنوات القليلة المقبلة. وظهرت تلك الشركة في 2016، بعد إنجاز اندماج وُصِفَ بأنه الأضخم ماليّاً بين شركتي «ديل» للكومبيوتر و «إي أم سي» EMC، إذ تجاوزت قيمته 67 بليون دولار. وقبل ذوبانها مع «ديل»، اشتُهِرت «إي أم سي» بأنها المصدر الأضخم عالميّاً لتقنيات التخزين، خصوصاً تلك المعتمدة على تقنية ال «فلاش» المتطوّرة. واعتبرت الصفقة قفزة نوعيّة في عوالم المعلوماتيّة، خصوصاً في علاقتها مع مسارات التخزين في «حوسبة السحاب» Cloud Computing من جهة، والتهديدات المتصاعدة لمخازن المعلومات على الإنترنت من الناحية الأخرى. (أنظر «الحياة» في 31 أيار- مايو 2016). وأجريت الدراسة المشار إليها آنفاً تحت إشراف «معهد المستقبل» Institute of The Future (IFTF) بمشاركة 20 خبيراً عالميّاً في تقنيات المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، إضافة إلى قطاعي الأكاديميا والأعمال. وتناول أولئك المختصّون آفاق التأثيرات والتحوّلات المرتبطة بتكنولوجيّات ناشئة كالذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence والإنسان الآلي («روبوت») والواقع الافتراضي Virtual Reality و «حوسبة السحاب» والواقع المعزّز Augmented Reality وغيرها. ولاحظوا قدرة التقنيات في إحداث تحوّل جذري في حياة الناس وطرق إنجاز الأعمال في السنوات القليلة المقبلة. كما قدم التقرير الذي صدر بعنوان: «الحقبة المقبلة من الشراكة بين الإنسان والآلة»، تصوّرات حول إمكان قيام المستهلكين والشركات بالإعداد للانتقال نحو مجتمع دائم التغيّر. عن ارتباك مقلق توقّع التقرير أيضاً أنّ يكون للتكنولوجيات الناشئة المدعومة بالتقدم الهائل في مجال البرمجيات والبيانات الكبيرة وقدرات المعالجة، دور كبير في إحداث تغيير جذري في أساليب الحياة. وأشار إلى أنّه من المرتقب أن يدخل المجتمع مرحلة جديدة في علاقته مع الآلة والتي ستتسم بكفاءة وإمكانات أعلى من كل وقت مضى. ويساعد ذلك الأمر الأفراد في التغلب على قيودهم المتنوّعة. ووفق التقرير أيضاً، سيبرز العنصر البشري بصفته بيئة حاضنة للتغيّر الرقمي، فتكون التكنولوجيا التي يستخدمها امتداداً ودعماً لإمكاناته بالذات، ما يساعده على إدارة النشاطات اليوميّة والتحكّم فيها في شكل أفضل مما هي الحال حاضراً. وكذلك توقّع التقرير أن يتعلّم الموظفون مهارات تتغيّر باستمرار، وهو ما أطلق عليه تسميّة «تعلّم الوضع الراهن»، مشيراً إلى أنّ وتيرة التغيير ستكون سريعة للغاية، خصوصاً مع ظهور قطاعات تتطلب وفرة في المهارات المهنيّة والتقنيّة المستجدّة. ومن دون ذلك التعلّم السريع الإيقاع، سيكون من الصعب البقاء والاستمرار في دائرة المنافسة في الأسواق كلّها. ونهضت «ديل تكنولوجيز» بتلك الدراسة بهدف مساعدة الشركات على اجتياز تحديّات عالم تسوده حال من عدم الاستقرار، خصوصاً في العوالم الافتراضيّة. وتخدم الدراسة مساعي الشركات في الاستعداد لمستقبل يقترب بسرعة الضوء. وحاضراً، يتسبب الارتباك الرقمي على غرار ما يحصل في الضربات الإلكترونيّة الكبرى كضربة «وانا كراي» في الربيع الفائت، في إحداث تبدّلات ضخمة في مختلف قطاعات الاقتصاد والأعمال، وفق الدراسة. وللمرّة الأولى في التاريخ المعاصر، لا يستطيع كبار القادة العالميين توقّع ما تؤول إليه مستقبلاً أحوال القطاع الذي ينشطون فيه. وتحدّثت الدراسة عن «مؤشر التحوّل الرقمي» الذي بيّن أخيراً أن 52 في المئة من كبار صنّاع القرار في 16 دولة، تحدّثوا عما شهدوه من أجواء عدم الاستقرار في القطاعات المتصلة بالتكنولوجيّات الرقميّة. وكذلك لاحظوا أنّ واحدة من كل اثنتين من الشركات ترى إمكاناً لأن تندثر في غضون ما يتراوح بين 3 و5 سنوات مقبلة. وفي ذلك السياق، أشار جيرمي بورتون، وهو مسؤول التسويق الرئيسي في «ديل تكنولوجيز» إلى أنّ المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، لم يسبق لهما أن شهدا ذلك المستوى الهائل من الارتباك. ولاحظ أنّ وتيرة التغير المتسارع أصبحت حقيقة ماثلة وأمراً واقعاً. وأضاف: «نحن الآن في مرحلة «أن نكون أو لا نكون»... ولتحقيق قفزة نوعيّة إلى الأمام في عصر يشهد تأسيس علاقات متشابكة بين الإنسان والآلة، يجدر بكل شركة أن تتحوّل مؤسّسة رقميّة، بمعنى أن تشكّل البرامج المؤتمتة الركيزة الأساسية لتشغيل أعمالها». ولاحظ أنّه ينبغي على الشركات أيضاً «التحرّك بسرعة في مجال تعزيز قدراتها في الاعتماد على الآلات المؤتمتة، إضافة إلى إعداد بنيتها التحتيّة وتمكين كوادرها البشريّة التي يقع على عاتقها أن تكون القوة الأساسيّة الدافعة باتّجاه ذلك التغيير المذهل». وتضمّن التقرير نتائج متنوّعة أخرى من أبرزها توقّعه أن يشهد عام 2030 تطوّراً في اعتماد الإنسان على التكنولوجيا، بل ظهور شراكة حقيقيّة بين الآلات المؤتمتة والبشر. وأشار أيضاً إلى أنّ تلك الشراكة تحفز على تعلّم مهارات متّصلة بالإبداع والشغف، إضافة إلى تطوّر عقلية الريادة في الأعمال كلّها. واستطراداً، تتماشى الشراكة عينها مع القدرات التي تملكها الآلات، كالسرعة والكفاءة، ما يعني أن الإنتاجيّة الناجمة عن الشراكة تحمل فرصاً واسعة في قطاعات الاقتصاد والأعمال كلّها. وأكدّ تقرير «ديل تكنولوجيز» أيضاً أنّ التكنولوجيا المتطوّرة والشراكة مع الآلات الذكيّة لا تعني بالضرورة إلغاء الاعتماد على الموظفين البشر، مع ملاحظة أنّ آلية البحث عن العمل ستتغيّر كليّاً. وأشار إلى أنّ مفهوم العمل بحد ذاته سيتوقف عن كونه مكاناً ليصبح سلسلة من المهمات التي يتوجّب تنفيذها ضمن مدى زمني محدّد. واستطرد أنّ التطوّر في تقنيّات التعلّم الذاتي سيؤدي إلى زيادة المهارات والكفاءات البشرية، ما يتيح للمؤسّسات مجالاً واسعاً للبحث عن أفضل المواهب القادرة على إنجاز المهمات باقتدار وكفاءة وإتقان.