بعد أيام من تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاق «أميركا الشمالية للتجارة الحرة» (نافتا)، يبدأ المفاوضون اليوم الجولة الثانية من المفاوضات بهدف تحسين الاتفاق. وبعد وضع جدول مواعيد طموح في الجولة الأولى التي عقدت في واشنطن بين 16 و20 الجاري، يدخل المفاوضون الأميركيون والمكسيكيون والكنديون في التفاصيل العملية على مدى خمسة أيام من المحادثات في مكسيكو. وصعّد ترامب خطابه المعارض ل «نافتا» قبيل الجولة الثانية، مؤكداً أن المكسيك «تبدي صعوبة»، وأن الولاياتالمتحدة ربما «ينتهي بها الأمر إلى إلغاء» الاتفاق الذي يعود إلى 23 عاماً ويتهمه بنقل الوظائف الأميركية إلى جنوب الحدود. ولكن يبدو أن قدرة ترامب على إحداث صدمة تتراجع في المكسيك، حيث كانت تغريداته ذات يوم قادرة على جعل عملة البيزو تتراجع سريعاً. وقال كبير خبراء الاقتصاد في «بنك سكوتيا» جان فرنسوا بيروه إن «النفوذ الذي تتمتع به الولاياتالمتحدة داخل نافتا ربما هو أقل قليلاً مما تظنه إدارة ترامب». ورفضت المكسيك تهديدات ترامب بإلغاء الاتفاق، بوصفها مسعى لفرض أسلوبه في التفاوض ب «الغريب»، وفقاً لما قاله وزير خارجيتها لويس فيديغاري. وردت الحكومة على سلسلة من التغريدات النارية لترامب ببيان جريء أكدت فيه أنها لن تتفاوض على الاتفاق على مواقع التواصل الاجتماعي. ويتوقع معظم الخبراء الآن استمرار الاتفاق، ولكن بتعديلات بسيطة، على رغم أن لا شيء مؤكداً مع ترامب. وقال خبير الاقتصاد لدى مؤسسة الاستشارات «كابيتال إيكونوميكس» نيل شيرينغ في تصريح إلى وكالة «فرانس برس»: «الأساس أن تتمكن الأطراف كافة من إيجاد أرضية مشتركة، ومن غير المرجح أن تؤثر التعديلات الطفيفة في العلاقات التجارية داخل الكتلة». ويعتمد نحو 14 مليون وظيفة أميركية على التجارة مع المكسيك وكندا، بحسب غرفة التجارة الأميركية، في حين يواجه ترامب ضغوطاً قوية من قطاع الصناعة الأميركي لإبقاء الاتفاق. وعلى رغم تهديدات ترامب، يسجل اقتصاد المكسيك نمواً بطيئاً بعد تراجعه في أعقاب انتخاب الرئيس الأميركي. وسجلت المكسيك نمواً نسبته 3 في المئة على أساس سنوي خلال الربع الثاني من العام الحالي، ورفع البنك المركزي توقعاته للنمو خلال 2017 من 2 إلى 2.2 في المئة. وأشار البنك إلى «تراجع احتمالات» حدوث مشاكل كبيرة في العلاقة مع الولاياتالمتحدة، ولكن الحكومة المكسيكية وضعت خطة بديلة في حال فشل المفاوضات. وأكدت المكسيك أن الخطة تشمل تنويع الشركاء التجاريين بهدف تقليص الاعتماد على الولاياتالمتحدة، التي تبلغ صادرات المكسيك إليها حالياً 80 في المئة من الإجمالي. وقال الشريك في مكتب المحاماة «سانتامارينا وستيتا» أليخاندرو لونا: «لا يزال بإمكانه أن يفاجئنا. ترامب يمسك بالسلطة التنفيذية للانسحاب من الاتفاق»، متوقعاً جولة ثانية «صعبة» من المفاوضات. وعلى طاولة المفاوضات الكثير من المواضيع الحساسة، منها مطالب الولاياتالمتحدة بإلغاء آلية حلّ النزاعات في «نافتا» وتغيير قواعد بلد المنشأ في ما يتعلق بقطاع السيارات، بحيث تكون نسبة مئوية محددة من مكونات السيارات مصنعة في الولاياتالمتحدة كي لا تخضع للرسوم الجمركية. ويركز ترامب اهتمامه أيضاً على خفض العجز التجاري للولايات المتحدة مع المكسيك البالغ 64 بليون دولار، مع أن خبراء يؤكدون أنها مسألة هيكلية لا يمكن تغييرها بمحادثات تجارية. وستتعرض المكسيك لضغوط لتحسين قوانين العمل ورفع مرتبات عمال المصانع الذين يتقاضون ما معدله 2.30 دولار بالساعة، أي 10 في المئة من معدل راتب عمال المصانع في الولاياتالمتحدة. وتنتقل المفاوضات بعد ذلك إلى أوتاوا أواخر أيلول (سبتمبر) المقبل، ثم إلى واشنطن في تشرين الأول (أكتوبر). ويسعى المفاوضون إلى التوصل سريعاً إلى اتفاق، قبل انطلاق الحملة في المكسيك للانتخابات الرئاسية المرتقبة في تموز (يوليو) 2018 والانتخابات النصفية في الولاياتالمتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018. ولكن من غير المتوقع خروج معلومات كثيرة عن المفاوضات، إذ اتفقت الأطراف الثلاثة على إبقاء المحادثات سرية حتى انتهاء التفاوض، والتي يأملون أن تكون قبل نهاية العام الحالي.