كانت الحماسة كبيرة إزاء فكرة تقديم جائزة شعرية تحمل اسم الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر تُمنح للشعراء الشباب دون سنّ الأربعين. لكنّ نتائج الجائزة التي يرعاها «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في القاهرة (غاليري ضي)، أحدثت جدلا كبيراً في الوسط الثقافي. ولم يكن الجدل حول طريقة تنظيم المسابقة أو أحقية أي من المتسابقين بالفوز، علماً أن الشاعر اليمني جلال الأحمدي هو من فاز بالمركز الأول. وإنما تركَّز السجال حول فوز شعراء النثر بالمراتب الأولى، في وقت أن مطر نفسه كان ضد قصيدة النثر. لذا رأى بعضهم أنّ ليس منطقياً أن تذهب الجائزة التي تحمل اسمه إلى ست شعراء يكتبون قصيدة النثر، في حين أن قائمة الفائزين تضم سبعة دواوين. وفي مقابل تلك الأصوات المعارضة، أكد بعضهم الآخر أن مطر لم يكن ضد قصيدة النثر في المطلق، وأنه شخصياً سبق له الفوز بجائزة تحمل اسم أحد شعرائها الرواد وهو قسطنطين كفافيس. وأياً كانت درجة تقبل مطر لقصيدة النثر، يبقى الأكيد أن الإعلان عن الجائزة لم يتضمن تخصيصها لاتجاه معين من الشعر، إذ تبقى الجوائز المقدمة شأناً يخص لجنة تحكيم الجائزة، والتي لم يكن لمسألة التصنيف أي دور أو تأثير في طريقة عملها. هذا ما يؤكده السيد هشام قنديل مدير «غاليري ضي للثقافة والفنون» وراعي الجائزة، غير أنه يقول أيضاً في تصريح ل «الحياة» إن الجميع يعرفون أن موقف عفيفي مطر من قصيدة النثر كان سلبياً، غير أنه لم يرفضها، وكانت تعجبه بعض قصائد النثر التي تنتصر لموسيقى الشعر وتقترب من شعر التفعيلة. اللافت هنا أن راعي الجائزة نفسه لا يخفي رفضه قصيدة النثر، ويرى قنديل الذي تربطه صلة قرابة بالشاعر الراحل أن رفض مطر قصيدة النثر كان من منطلق رؤيته أنها «مدخل سهل لأدعياء الشعر، وأنه في عالم الإبداع تتوالد الأوهام وتتناثر كالطحالب في زمن وجيز». ويرى راعي الجائزة أن «هذا لم يكن ليحدث لولا أن النقاد الحقيقيين الذين هم حماة الفن وحراسه سكتوا واكتفوا بمراقبة عبث الصغار إلى أن نما وتحول إلى واقع بالقوة. ومن ذلك ما حدث للشعر حين ابتليت الساحة بما يسمى قصيدة النثر التي لا يتورع المنظرّون لها والمبشرون بها عن الإعلان بصراحة أنها صرخة ضد البلاغة العربية القديمة، والتي هي مرادف للأصالة، بل أن بعضهم لا يتورع عن القول إنها انقلاب على اللغة العربية». هكذا يعلن هشام قنديل عن موقفه صراحة من قصيدة النثر. ولكن ألا يمكن أن يؤثر ذلك الموقف السلبي الذي يتبناه راعي الجائزة من قصيدة النثر في طبيعة الجوائز المقدمة مستقبلاً؟ ينفي هشام قنديل ذلك الأمر مطلقاً، كما ينفي أي تدخل من قريب أو بعيد في حيثيات التحكيم أو عمل اللجنة خلال الدورة الأولى. فالأمر في مجمله من اختصاص لجنة التحكيم التي تضم- كما يقول شخصيات على درجة كبيرة من المسؤولية- وهم من كبار النقاد والمبدعين العرب والمصريين، ويتمتعون بالنزاهة والشفافية. وعن الأسباب التي دعته إلى تدشين جائزة باسم عفيفي مطر، يقول هشام قنديل: «عندما دشنا أتيليه العرب (غاليري ضي) أطلقنا اسم عفيفي مطر على المنتدى الثقافي في الغاليري. ومن ذلك المنتدى جاءت فكرة تخصيص جائزة باسم عفيفي مطر كونه شاعراً كبيراً تم تهميشه في حركة الشعر بسبب موقفه المناهض من السلطات المصرية المتعاقبة. أما لماذا عفيفي مطر تحديداً، فلأنه كان أستاذاً ومعلماً وأباً لكل أفراد أسرتي. وأبي محمد أفندي قنديل كان أستاذاً ومعلماً لعفيفي مطر، وكان طبيعياً جداً أن نطلق وندشن جائزة باسمه خصوصاً أنه أكثر شعراء جيله تأثيراً في جيل السبعينات في مصر». ويضيف قنديل بالقول: «رأينا كذلك أنه ليس من المنطقي أن تخلو مصر من جائزة خاصة للشعر فيما تموج الساحة الآن بمئات من الشعراء الشباب الذين يطرحون إبداعاً مغايراً مدهشاً, يستحق أن نلتفت إليه بالنقد ونكرمه وندعمه بكل السبل. وليس من المنطقي كذلك أن يمرّ درس عفيفي مطر وخطابه الشعري العميق، من دون تذكر دائم ودرس مستمر لما قدمه وأسهم به في تطوير المشهد الشعري العربي. ولذلك جاءت هذه الجائزة عرفاناً بجميل مطر على الشعراء الشباب ورغبة في دعم القصيدة الجديدة في مصر والعالم العربي». في سياق آخر، ينظّم «غاليري ضي للثقافة والفنون» أيضاً مسابقة سنوية في مجال التشكيل بعنوان «مهرجان ضي للشباب العربي»، وهي مسابقة مفتوحة للفنانين من مختلف أنحاء العالم العربي تبلغ جملة جوائزها 300 ألف جنيه مصري.