تقف الأكثرية الجديدة في لبنان، بمعظم تياراتها وأحزابها، حائرة ومحيّرة لدى سؤالها عن اسباب تراجعها عن تفاؤلها بقرب ولادة الحكومة العتيدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، مع ان مصادرها توحي بأن التأخير مرده الى عقدة مستعصية تتمثل في رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون من دون ان تغفل الاعتبارات الإقليمية والدولية التي أملت على القيادة السورية التريث الى حين جلاء الأمور على مسار التقلبات العربية المتسارعة، وكذلك انتظار الجهود السورية الآيلة الى إنعاش حركة الاتصالات بين دمشق والرياض بعد عودة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى المملكة. ومع ان المراوحة تسيطر على المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف، فإن لقاءه رئيس المجلس النيابي نبيه بري شكل أول خرق لها، وإن كان اجتماعهما امس بقي في إطار التداول في المشكلات ذات الطابع المحلي التي تؤخر ولادة الحكومة. وعلمت «الحياة» من مصادر في الأكثرية أن معظم قادتها يأخذون على عون تصلبه في شروطه وعدم الاستجابة لوساطة حليفه الأول «حزب الله» الذي يحاول ان يتوصل معه الى تسوية في خصوص تمثيله في الحكومة تقوم على سياسة تدوير الزوايا التي تستدعي خفض سقف شروطه لجهة الحقائب والأسماء. وأكدت المصادر نفسها ان معظم قادة الأكثرية الذين يتركون ل «حزب الله» حرية التحرك باتجاه عون، يأخذون على الأخير هجومه المستمر على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وإصراره على التحكم بمصير الحكومة وتقديم نفسه كرئيس فعلي لها، ما يلقى معارضة من «أهل البيت» في الأكثرية، قبل قوى 14 آذار. ونقلت المصادر عن قيادي بارز في الأكثرية قوله انه يحق لعون ان يطالب لنفسه بغالبية التمثيل المسيحي في الحكومة وإنما ليس بالتمثيل كله، وبالتالي «لا اعتراض لدينا على ان يتمثل بعشرة وزراء في حكومة من ثلاثين وزيراً، لكن من غير المقبول ان نوافق على إعطائه 11 وزيراً أو أكثر لأنه بذلك يتحكم في آن معاً برئيسي الجمهورية والحكومة». ولفتت المصادر الى ان احداً لا يحبذ الجمود الذي تمر به المشاورات، لكن لا مانع منه، إذا كان ثمن الخروج التسليم لعون بكل شروطه غير القابلة للتنفيذ لأن تنفيذها يعني ان لبنان الذي نعرفه لم يعد موجوداً. ولاحظت ان «شروط عون كما يطرحها غير قابلة للتنفيذ ونقطة على السطر، ولا نستطيع الموافقة عليها... لأننا بذلك لا نستطيع تحقيق الشراكة، وبالتالي نفقد لبنان الذي يتميز بالتنوع والتعددية بالمعنى السياسي للكلمة». وأكدت المصادر ان الرئيس المكلف لم يقفل الباب نهائياً في وجه الجهود التي تحاول إقناع عون بخفض سقف مطالبه، ولا في وجه احتمال مشاركة قوى 14 آذار في الحكومة وأن مثل هذه الجهود تبقى قائمة الى حين صدور مراسيم التأليف. في موازاة ذلك، كشفت مصادر قيادية في 14 آذار ل «الحياة» ان قياداتها تواصل التشاور لإنضاج موقف موحد يصدر عنها في الساعات المقبلة لا يحبذ المشاركة في الحكومة، وعزت السبب الى ان المفاوضات التي أجراها بعض قيادات «14 آذار» مع ميقاتي لم تتوصل الى نتائج ملموسة، خصوصاً أن أجوبته عن مطالبتها بموقف يلتزم فيه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وموضوع السلاح غير الشرعي واحترام الدستور بقيت في العموميات وخاضعة لأكثر من اجتهاد، إضافة الى تعذر الاتفاق معه على صيغة تحقق المشاركة في الحكومة وتضمن لها التأثير في مجريات أي قرار يمكن ان تتخذه. وأكدت المصادر أن «14 آذار» بدأت تستعد لإحياء ذكرى الرابع عشر من آذار (مارس) على قاعدة عدم الاشتراك في الحكومة، وقالت ان التحضيرات جارية لعقد لقاء موسع يفترض ان ينتهي النقاش الذي يدور فيه الى اتفاق في شأن الإعلان عن وثيقة سياسية تكون بمثابة برنامج عمل لقوى المعارضة الجديدة تحدد فيه طبيعة المرحلة المقبلة والمهمات الملقاة على عاتقها في مواجهة المحطات السياسية. وأوضحت ان الوثيقة السياسية ستكون جاهزة قبل 14 آذار المقبل، وستتم مناقشتها والتصديق عليها قبل إحياء هذه الذكرى في ساحة الحرية في وسط بيروت.