«محتوى الشكل: الخطاب السردي والتمثيل التاريخي» كتاب للفيلسوف والمؤرخ الأميركي هايدن وايت وهو نتاج بحثٍ دام 7 سنواتٍ حول تأويل النصوص وسرد التاريخ. صدرت ترجمته عن مشروع نقل المعارف التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار. أنجز الترجمة نايف الياسين. يحاول هايدن وايت من خلال كتاباته وأفكاره التقريب بين مفهومي الأدب والتاريخ، إيماناً بفكرة مفادها أن السردية في شرح التاريخ تضفي على النص بعداً بلاغيا أخاذاً وجانباً غير هامشي من التشويق، من دون أن يفقد صفة المطابقة بين ما هو مدون وما قد حدث فعلاً في زمن ما. واستناداً إلى منطق السيميائية والدلالات التي تحققها عبر نقل معان أو حالات شعورية للمتلقي وإسقاطها على جوهر السرد يتبين للقارئ- كما يذكر وايت- أن السرد قادر على تشكيل نظام فعال للإنتاج الخطابي يمكن للقارئ من خلاله عيش علاقة خيالية مع ظروف وجودهم الواقعية. يضم هذا الكتاب ثماني مقالات اختارها المؤلف المهتم بالنصوص ذات البعد التاريخي ليضع أمام القارئ تفاصيل وحقائق مهمة جاءت بصبغة سردية تعالج الأحداث بطريقة غير اعتيادية عقب عليها وايت ليثبت موقفه في التصدي لمن يعتقد بأن النصوص التاريخية محكومة بنسق جامد ورتيب. الفصل الأول بعنوان «قيمة السردية في تمثيل الواقع» يناقش فيه وايت ما ذهب إليه رولان بارت الذي وجد في السرد حلاً لما يكتنف ترجمة فعل المعرفة إلى فعل القَص، فهو يقول «إن السرد موجود ببساطة كالحياة نفسها، أمميٌ وعابر للتاريخ وللثقافات»، كما يتناول المؤلف في هذا الفصل شكلَي الحوليات والإخباريات ويفاضل بينهما في التمثيل التاريخي. ويتساءل في نهاية الفصل عن إمكان الخوض في السرد من دون إعطاء دروس وعظية أو أخلاقية. الفصل الثاني عنوانه «مسألة السرد في النظرية التاريخية المعاصرة» يوضح فيها المؤلف تهمةً للسرديين تفيد بأن السردية ما هي إلا سمة مسرحية أو روائية تضيف نغمةً دراماتيكية للأحداث التاريخية. وهنا يضع وايت الحجج والبراهين لينفي تلك التهمة والصفة الدخيلة على السرد، ويخلص إلى استنتاج أنّ الفرق ما بين الواقعة أو ما حدث فعلاً وبين السرد هو في الحقيقة منطق التشكيل ذاته (فن المجاز). هكذا يقوم وايت ضمن فصول كتابه بمقارعة الحجة بالحجة في ما يتعلق بوصم الأسلوب السردي بالشاعرية والبعد عن الواقع ليحدد أسس التمثيل التاريخي ونظرياته وضوابطه إلى أن يصل في فصله الأخير بعنوان «السياق في النص: المنهج والأيدولوجيا في التاريخ الفكري»، إلى توجيه المشككين في أهمية السرد في النصوص التاريخية إلى لوم أصحاب النصوص الكلاسيكية كهوميروس، أفلاطون، أوغسطين، وحتى ميكافيللي الذين باتت سمتهم التمثيلية محل تشكيك، وفي الختام يتناول المؤلف فكرة نمطية النص، ويستندالى نص هنري آدمز، وقد أورد تعريفًا للنمطية بأنها «توسط بين الخصوصيات والكليات، الواقعية والمصطنعة»، بمعنى فرض شكل محدد يقوض المحتوى ويكبح جماح كاتبه ليكون أسيرًا بين بين. كتاب «محتوى الشكل، الخطاب السردي والتمثيل التاريخي»، هو الإصدار الحادي عشر لمشروع نقل المعارف التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار وكان قد أصدر قبل هذا الكتاب عددًا من الإصدارات المترجمة لأهم الكتب العالمية منها: تفكر: مدخل أخاذ إلى الفلسفة لسايمن بلاكبرن، هل اعتقد الاغريق بأساطيرهم: بحث في الخيال المكون للكاتب بول فاين، لغات الفردوس للمؤرخ موريس أولندر، التحليل النفسي: علماً وعلاجاً وقضية للعالم التحليل النفسي مصطفى صفوان، الزمن أطلالاً لعالم الانتروبولوجيا مارك أوجيه، أصول الفكر الإغريقي للمؤرخ جان بيير فرنان، الأبجديات الثلاث: اللغة والعدد والرمز للباحثة كلاريس هيرنشميت، نهاية العالم كما نعرفه لعالم الاجتماع إيمانويل فالرشتاين، قصة الفن: مدخل استثنائي لتاريخ الفن لإرنست غومبريتش، أينشاتين بيكاسو: المكان والزمان والجمال الذي ينشر الفوضى لآرثر ميلر.