بدأت هالة جابر حياتها في مهنة المصاعب على خطوط التماس خلال الحرب الأهلية اللبنانية مراسلة لصحف في بريطانيا، موطنها الثاني، ولاحقاً في الولاياتالمتحدة. وليس غريباً أن تصبح «حقول العنف والنار» مادتها الأساسية. ثم جاء كتابها عن «حزب الله» ليقطف نجاحاً عالمياً ويثير جدلاً ما زال دائراً حتى اليوم. كثر اعتبروه نقلة نوعية مما كان مروجاً له في الصحافة الغربية ومحاولة جدية لنقل صورة شمولية عن الحزب ومحيطه وظروف نشأته وإيديولوجيته، لكن المؤيدين لإسرائيل بلا قيد أو شرط أبدوا امتعاضهم واعتبروا الكتاب ثمرة أخرى «في شجرة الكره لإسرائيل». نالت هالة جوائز عدة في مقدمها جائزة الصحافة البريطانية، مرّتين، لأفضل مراسل أجنبي عامي 2005 و2006 تقديراً لتقاريرها المنشورة في «صنداي تايمز» عن حرب العراق. كتابها الثاني الصادر أخيراً بالانكليزية أيضاً عن دار «مكميلان» في لندن بعنوان «بساط الريح الى بغداد» يروي قصة إنسانية وشخصية مؤثرة عاشتها هالة خلال الاجتياح الأميركي لبغداد سنة 2005 على خلفية سقوط عاصمة الرشيد مع ما رافقها من نهب وفلتان وفوضى، فخلال تجوالها على الجرحى والمشردين رأت هالة فوق سرير قذر في مستشفى عراقي تكدس بالمصابين بنتاً صغيرة تدعى زهراء أحرقتها قذيفة اصطادت سيارة أسرتها لدى هروبها اليائس من القصف الأميركي، فمات الجميع عداها وأختها حوراء. الحروق البالغة في الجسم الطري لزهراء حركت عواطف هالة بقوة تجاوزت متطلبات المهنة الصحافية الى الارتباط الإنساني إذ لم تستطع ان تحفظ المسافة المطلوبة بينها وبين «المادة المتوافرة». كانت جدة البنت قربها تصلي طالبة الى الله أن يخفف عن حفيدتها آلام الحروق وإذا بهالة تقول إنها ستبذل كل ما في وسعها لإنقاذ زهراء آخذة على عاتقها وزراً لم تكن تتوقع أبعاد ثقله. توسلت هالة الأطباء الموجودين في المستشفى ولم تتوقف عند هذا الحد بل قصدت مارلا روزيكا التي عرفها العراقيون باسم «ملاك الرحمة»، وهي أميركية في العشرين من عمرها شكلت وحدها فريقاً إنسانياً للتعويض المعنوي عن الفظاعات المرتكبة بحق الشعب العراقي نتيجة الاحتلال. جاءت مارلا من أفغانستان بعدما عملت هناك في الحقل الانقاذي ذاته واستطاعت بجهدها الشخصي أن تنقل زهراء الى مستشفى ميداني أميركي. طلبت هالة من الجدة أن تسمح لها بتبني الشقيقتين فهي لم ترزق بأطفال، غير أن الحروق البليغة لم ترحم زهراء فتوفيت قبل أن تبلغ الخامسة من عمرها. ولا تخفي هالة جابر تأثرها العميق حيال المأساة الإنسانية التي عاشها المدنيون العراقيون في تلك المرحلة. تقول إن تغطيتها الأحداث من الناحية الصحافية أمر لا بأس به نسبة الى الأداء المهني، لكنه ليس شافياً وليس كافياً بل كان عليها أن تغوص أعمق في التجربة، خصوصاً بعدما لقيت مارلا روزيكا حتفها في عملية انتحارية، ثم ضاعت منها حوراء في الضباب الأسود للحرب. ويذكر هنا أن هالة كانت الصحافية الأولى التي نقلت قصة الفتى علي، البالغ من العمر اثني عشر عاماً والذي فقد ذراعيه ومعظم أفراد أسرته خلال الاحتلال فنقلته القوات البريطانية الى لندن للمعالجة. وبعد أربع سنوات أعادوه الى بغداد لزيارة من تبقى من عائلته لكنهم لم يمنحوا عمه تأشيرة دخول الى المملكة المتحدة لمرافقته والاهتمام به، علماً ان علي لا يستطيع أن يخدم نفسه بنفسه، ما أدى الى بقائه في بغداد. على رغم ذلك تنقل هالة عن علي قوله: «هناك آلاف الأطفال مثلي، بعضهم أسوأ حالاً مما لحق بي ولم يكتب لهم العلاج التي حظيت به، لذلك علينا أن نفكر بهم». صحيح أن «بساط الريح الى بغداد» كتاب عاطفي يثير الحزن وينتزع الدموع من أكثر العيون بروداً، إلا أن النهاية «السعيدة» فيه تكمن في عثور هالة على حوراء بعد البحث عنها وعن جدتها في الأنقاض المادية والمعنوية التي خلفتها الحرب.