في المغرب، سليلة الثقافة الأندلسية، ترتدي اللغة العربية «قفطاناً»، زيّاً آخر غير الذي نعتاده، تستقر على لوحات الطرق كلمات غير التي نستهلكها في يومياتنا. هي مفردات تغفو في الكتب العتيقة أو في القواميس. المشهد العام، الدُّكات، الأسواق، الحوانيت، كلها تحدق بنا من عيون الماضي، فهل عاشت المغرب بمعزل ثقافي عن البلدان العربية الأخرى سوى المغرب العربي؟ وهل أثَّرت الهزات السياسية التي يعيشها الشرق الأوسط في أي من توجهات هذه البلاد بصورة أو بأخرى؟ على هامش المعرض الدولي ال17 للنشر والكتاب هنا في الدارالبيضاء، التقت «الحياة» وزير الثقافة المغربية بنسالم حميش الذي تسلم حقيبة هذه الوزارة قبل أقل من عامين خلفاً للممثلة المسرحية ثريا جبران. وفي ما يبدو أن هذا الوزير والروائي والشاعر والسيناريست والمفكر المشاكس أعاد السكينة لقطاع الثقافة، هو الذي يحرث في الفكر والأدب منذ عقود، ويحمل أكثر من مؤهل ثقافي وأكاديمي. الوزير حميش حائز على جائزة مجلة «الناقد» اللندنية المتوقفة عن روايته «مجنون الحكم»، وجائزة «نجيب محفوظ» عن روايته «العلاّمة»، وهو مرشح أيضاً لنيل جائزة «البوكر» لهذا العام. إلى نص الحوار: كيف تقوِّم النشاط المغربي والثقافي في المغرب مقارنة بالدول العربية؟ - بالنسبة لهذا المعرض، معرض الكتاب الدولي في دورته ال17، فهو بحسب كل المؤشرات الصادرة عن العارضين ودور النشر، وكذلك عن مختلف الشخصيات التي ازدان بها المعرض من حيث الفكر والإبداع وكذلك استمزاج الرأي الذي قامت به بعض الإذاعات وبعض التلفزيونات، كله يصب في رأي واحد واعتبار واحد وهو أن هذا المعرض مثل سابقه من الدورات في العام الماضي، ناجحاً بكل المعايير والمقاييس. هل منعت بعض دور العرض من المشاركة في المعرض؟ - لا أبداً. نحن لا نمنع، ولكن بعض الناس طلبوا أشياء معجزة، ولم نستطع تلبيتها، فلم يشاركوا وهم قلة على كل الأحوال، ولهم ذلك، ويكفي أن تقومي بجولة وتري هؤلاء الشباب المتدفق، هذا يثلج صدرنا ونعتبره أساسياً ومشجعاً بالنسبة لنا. هل هناك دروس مستفادة من المعارض السنوية أو حتى من النشاطات والخطط الثقافية التي تقوم بها المغرب؟ - طبعاً. نحن في كل دورة وبعدها نعقد اجتماعاً تقييمياً لكي نقول هذه كانت ايجابيات، وهذه كانت بعض السلبيات التي لم تكن إرادية، اما تقصير أو إهمال، طبعاً نحاول إصلاحها في الدورة التي ستكون في 2012 وهي الدورة ال18. لو خرجنا من إطار معرض الكتاب قليلاً، وتناولنا المغرب كدولة وإنتاج ثقافي، كيف ترى علاقتها واندماجها بالعالم العربي بشكل عام، هل قدمت المغرب نفسها بصورة قوية؟ - الاندماج الذي أشرتِ إليه لا يمكن أن نقول إنه حاصل الآن تماماً وأصبح أمراً واقعاً، وهو مشروع طويل النفس. نحن نريد قبل أن يتم الاندماج على الصعيد الاقتصادي، والمبادلة والتجارة لكي يتم هذا الاندماج. هو حاصل وكل مقوماته موجودة والحمد لله من حيث العمق الحضاري، والبعد التاريخي، واللغة الواحدة. كل عناصر الاندماج الثقافية متوافرة، لكن ينبغي علينا أن نزيد في تنميتها وفي جعلها رافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية وأستطيع أن أقول والبشرية أيضاً. هل هذا يعني أنك ترى أن المغرب أدت دورها بشكل صحيح في هذا الاندماج؟ - هذا المعرض مثلاً محطة مهمة، وهو معرض سنوي نعول عليه تعويلاً أولا، لأنه يخلق فضاء يلتقي فيه عرب يأتون من نواحي شتى، وكذلك أجانب. ونعتقد أن هذه الفرصة تتيح إلى الإخوة العرب أن يجددوا صلة الرحم، وأن يتشاوروا كذلك في شكل ندوات نعقدها في أحوال أمتنا، وفي مشكلاتها، وكذلك في الآفاق المستقبلية التي نريدها إن شاء الله مبشرة بكل خير. المغرب يحاول قدر المستطاع وبكل ما أوتي من قوة أن يكون من بين الدول الدافعة نحو الاتحاد. أنا لا أقول الوحدة. بل الاتحاد كما هي الحال بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، أو مجمل الاتحادات التي تقوم على أساس مرتكزات اقتصادية وتجارية وكذلك ثقافية، إنها اتحاد المغرب العربي. والآن نعيش مشكلات حقيقية، وذلك للأسباب التي يعرفها الجميع. ولكن هذه الأسباب وهذه الظروف ليس مكتوباً عليها أن تبقى إلى الأبد. ما هذه الظروف التي أشرت إليها؟ - مثلاً مشكلة الصحراء المغربية ومشكلات مع الجزائر، وما إلى ذلك. لكن إن شاء الله مع الوقت تنتهي كل هذه النزاعات حول طاولات المفاوضات، ونحن بإقبالنا على تمتيع المغاربة الصحراويين بالحكم الذاتي الموسع، وربما هذا رأي أميركا وهو الحل الأمثل والأفضل لفض هذا النزاع. ولكن هذا ليس معناه أننا لا نعمل على الصعيد الثقافي، وتقوية النسيج الثقافي الذي يربطنا. أنا سوف أذهب مثلاً إلى المشاركة في تلمسان العاصمة الثقافية الجزائرية، وكذلك سيدة خالده تومي زميلتي وزيرة الثقافة بالجزائر بيننا علاقات طيبة جداً مثمرة. وأملي كبير في أن يكون هذا الجناح المغربي في العالم العربي الإسلامي موحداً حتى يصبح قابلاً أكثر لكي ندعو إلى اتحاد عربي. على ذكر الجزائر، هل تعيش المغرب أو هل يعيش المغرب العربي بشكل عام بمعزل تام عن منطقة الخليج أو دول المنطقة العربية الأخرى؟ - هذا غير حاصل. اتحاد مجلس الخليج في الخليج فقط، لكن يلزم أن نتقدم كقوة إقليمية. كل الأقاليم في العالم العربي والإسلامي متنوعة ومتعددة ولكن متكاملة، وهدفنا الأساسي هو الالتحام العربي. هل الظروف الاقتصادية أو حتى الظروف السياسية في المغرب تحد من هذه الدفعة كأن يكون المغرب مشغولاً بقضاياه الاقتصادية والسياسية عن أي شؤون أخرى؟ - نحن لا نعيش في إطار ما يسمى الاكتفاء الذاتي، لا نحن نحتاج مثلاً إلى الغاز الطبيعي الجزائري والنفط الجزائري كذلك، وهم يحتاجون إلى الفوسفات المغربي. كذلك البحر الأبيض المتوسط يجمعنا من حيث الصيد البحري ومن حيث استغلال خيراته، ولكن تبقى المشكلة ظلاً عالقاً منذ عام 1976. وأنا متأكد من أن الإخوة الجزائريين يرون أن الخلاص بالنسبة إلى بلدان المغرب كلها يكمن تجاوز هذه الشوكة التي تحد، ولا أقول من انطلاقتنا، ولكن تحد من وتيرة مسيرتنا وهذه هي المشكلة. ماذا عن منطقة الخليج العربي مثلاً؟ - علاقتنا مع السعودية مثلاً مميزة بشكل قوي، وهنا لدينا مؤسسة الملك عبدالعزيز في الدارالبيضاء أحسن دليل، ومع الأخوة السعوديين نشعر دائماً بكثير من طمأنينة القلب والثقة. وهم عندما يحلون على المغرب فهم على الرحب والسعة في بلدهم الثاني. ونحن دائماً ما نحاول أن نكون متعددي العلاقات والأطراف، فعلاقتنا مع قطر مثلاً علاقة جيدة، مع الإمارات ومع كل البلدان العربية التي نرى بأن مشاركتنا معها سوف تكون مدراً للفوائد لكلا الطرفين. طبعاً السياسة الخارجية المغربية تحاول أن تؤاخي ما بين المكونات العربية والبلدان العربية لأنها في صالح الشعوب العربية وفي صالح ترقيتها وتنميتها. هذا أولي وأساسي. كيف تصف الحرية الثقافية والإعلامية في المغرب، وكيف تقوم حرية النشر فيها أيضا؟ - بالنسبة لحرية النشر، الناشرون ينشرون كل شيء إلا ما هو مصطلح عليه دولياً من الكتب التي تمس المقدسات، أو تمس أعراض الناس، أو تمارس القذف والتشهير. وهذا في كل بلدان الدنيا. نحن نخضع للقاعدة نفسها فقط. ما عدا هذا فنحن نحاول فقط أن نقول لهم أن الخبر مقدس والتأويل حر. ولكن لابد عندما يأتي الصحافي بخبر أن يكون هذا الخبر من مصدر موثوق حتى إذا سئل عنه يقول هذا الخبر استقيته من كذا وكذا، وليس خبراً ملفقاً أو مزوراً، أو شيئاً من هذا القبيل. لكن بالنسبة إلى التأويل والتفسير الكل حر في ذلك. وهل تدعمون المثقفين المغربيين بشكل مباشر أو حتى بشكل غير مباشر؟ - نحن عندنا تقريباً مئة جمعية ثقافية، ونخصص لها، طبعاً بنوع من التفاوت، دعوماً سنوية على أساس أن تقوم بنشاطات، وأعني نشاطات هادفة. بمعنى أن كل مستفيد من الدعم يجب عليه أن يقدم تقريرين، تقرير أدبي عن مرامي أهداف هذا النشاط، ثم تقرير مالي وهو كيف صُرف الدعم الذي قدمناه لهذه الجمعية أو تلك. وعند تقديم هذين المحضرين أو التقريرين، وإذا رأينا أنهما إيجابيان نستمر في الدعم المالي لسنوات أخرى يتقدموا فيها لطلب الدعم. وهل هناك أي خطط مستقبليه في تعزيز دور الثقافة من ناحية اقتصادية، أي استغلال الثقافة لتنمية اقتصاد المغرب؟ - كل بلد يرقى اقتصادياً لابد أن يكون لهذا الرقي مضاعفات إيجابية على الثقافة من حيث توسيع دائرة النشر، من حيث التشجيع على القراءة، من حيث بناء مكتبات، وتجويد وتجهيز المكتبات في ما هي بحاجة إليه. فإذاً للاقتصاد هذا الدور. وهو دور مهم. في البلدان التي يضعف فيها الاقتصاد تضعف فيها كذلك بنياته الثقافية. هذا أكيد. لهذا نحن نراهن إن شاء الله على أن اقتصادنا سوف يزداد نمواً. وهذا النمو سوف ينعكس إيجاباً أكثر وأكثر على ثقافتنا. هل أثرت الظروف السياسية التي يمر بها العالم العربي والمغرب العربي والشرق الأوسط بشكل أو بآخر على أي من توجهات المغرب؟ - لا توجهات المغرب ثابتة. الأحداث في العالم العربي في طور المخاض. سنرى ماذا ستتمخض عنه، والحكومات التي سوف تظهر. ولكن في جميع الأحوال المغرب والحمد لله، وهذا يشهد عليه الأجانب، بلد شبه مستقر ومنتج. وهناك أوراش كبرى يحسدنا عليها البعض والتي، إضافة إلى ما تم إنجازه، هناك أوراش ضخمة كبيرة تطمئن المواطن المغربي وتجعله على كل حال يأمل في المستقبل. أخيراً، هناك حديث أنك ستفوح بجائزة البوكر في دورتها المقبلة، فماذا تقول ؟ - إن شاء الله، ولكن أنا مرشح فقط وسوف نرى النتيجة. ولن أتحدث في الموضوع حتى تظهر النتيجة النهائية.