بروكسيل - أ ف ب - تواصل مسرحية «بيلغا» تجوالها في مدن بلجيكية، بعدما حظيت بمتابعة لافتة من الجمهور، مقدمة مشاكل المهاجرين بصوت عائلة منهم إلى جانب صوت سكان البلد الأصليين، ويجسد شخصياتها ممثلة بلجيكية وممثلون من أصول مغربية، يرفضون إعلان زعماء أوروبيين «فشل سياسات الهجرة» ساخرين من هذه المقولة. المسرحية التي أخرجها البلجيكي ميكايل دو كوك، سبق وعرضت في مدينة الدارالبيضاء المغربية، وتواصل عروضها في مدن بلجيكية منذ أكثر من سنة. ويقدمها حالياً مسرح «الحي الثقافي» في ضاحية لاخن، على أطراف العاصمة البلجيكية، حيث تحقق حضوراً لافتاً مقارنة بغيرها من المسرحيات المحلية. وضعت نص المسرحية الكاتبة رشيدة المرابع، البلجيكية من أصول مغربية، بعدما التقت العديد من أوساط المهاجرين، بمختلف أجيالهم، لتجعل أحاديثهم أساساً لقصة عائلة واحدة تدور حولها المسرحية، وصولاً إلى طرحها واقع الأجيال الجديدة، وإفساحها لصوت آخر، تجلى بالممثلة البلجيكية، ليضيء على جانب مختلف من واقع الهجرة. حوارات الممثلين الثلاثة تراوحت بين الدراما والكوميديا، الأمر الذي جعل الجمهور يتفاعل بالضحك وحتى القهقهة خلال بعض مشاهد العرض. وحول تجربتهم ودور الثقافة في مواضيع الهجرة والتعدد، تقول لوتا هايتنس أنه يمكن للثقافة «حمل رسالة سياسية»، ولعب دورها بوصفها «مكاناً للانفتاح على الآخر، وهكذا يمكنها التأثير بالناس». يؤيدها زميلها مصطفى بنكروم، ويعتبر أن المسرح «هو وسيلة نستخدمها لإعطاء أفكار مختلفة للناس عن الآخر، ولتدفعهم ليفكروا بالثقافات الأخرى». ويشير الممثل مراد زغندي إلى المفارقة في كون أحد جوانب الثقافة في بلجيكا يشكل «حاملاً للمشاكل، وخصوصاً ما يتعلق بالمشاكل اللغوية وبروز سلبياتها» في مجتمع متعدد اللغات، لكنه يعود للقول إنه «لا غنى عن الثقافة لأنها المنفذ لاكتشاف الآخر». المسرحية تدور حول إشكالات العلاقة التي نسجتها أجيال المهاجرين في البلد الجديد وناسه، فتتبع حكاية عامل مغربي هاجر أواخر الستينات إلى بلجيكا، ليرتبط عاطفياً بابنة صاحب عمله. تتصدع العلاقة بعد إحدى سفراته المتكررة إلى المغرب، إذ يعود وقد تزوج من امرأة مغربية تحت ضغط العائلة، لكن العلاقة العاطفية لا تنقطع. ويقابل الجمهور مئات أشرطة التسجيل، المصفوفة كعمارة على الخشبة، والتي كانت الوسيلة الوحيدة التي يتواصل عبرها المهاجر مع أمه في المغرب، لكونهما أميين. الهجرة تغير صورة البلد الأصلي أيضاً، وتتحدث حبيبة المهاجر كيف صار أخيراً ينظر إلى المغرب على أنه «الفردوس المفقود الذي طرد منه». تتنقل المسرحية في الزمن. يتوفى المهاجر، ويمضي ابنه، من زوجته المغربية، لزيارة حبيبة والده. هذا اللقاء يصير مناسبة ليكتشف شخصية والده، عبر حديث حبيبته عن حياتهما معاً. هكذا يتعرف الى شخص آخر غير الأب الصارم والصامت الذي عرفه، في حين تجد الحبيبة المنكوبة والمجروحة فارقاً أساسياً بين حياة الجيل الجديد المتمثل بالابن، والجيل الأول الذي عرفته عبر الأب، وتلوم الابن بأنه مستسلم «مثل كيس البطاطا، تتصرف كمهاجر وتكرس هذه الفكرة، أما أبوك فكان حالماً ويؤمن أنه سيبني مستقبله بيديه». وتعتبر مؤلفة المسرحية في حديثها للصحافة البلجيكية، أن الجيل الجديد من المهاجرين «هو من يدفع الثمن»، وذلك «لأنه لا يوجد مكان لهم ليدخلوا في النظام الاجتماعي، وليس لديهم فرص ليمسكوا زمام حياتهم»، وتضيف: «هذا يبعثهم على الإحباط والكبت، ويقلل ثقتهم واحترامهم لأنفسهم». وفي وقت تتسابق فيه الحكومات الأوروبية لإعلان «فشل تعدد الثقافات» فيها، كما فعل قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ينظر ممثلو المسرحية الى تلك الإعلانات بشك. وتقول الممثلة هايتنس أن تعدد الثقافات كان ولا يزال «يوتوبيا غير موجودة»، وأنها أشبه بالعدالة الاجتماعية وغيرها من القيم التي تسعى إليها الإنسانية، ولذلك «لا يمكن الآن الوقوف والقول لقد وصلنا إلى طريق مسدود، بل يجب أن نتقدم في الحياة»، معتبرة أن ما قاله السياسيون «كلمات كبيرة يستخدمونها لأسباب انتخابية». مصطفى بنكروم يشكك بإعلانات السياسيين تلك، ويقول: «لا أعرف إن كانوا صادقين»، ويضيف بتهكم: «إذا أردت أن يسلط الضوء عليك في الإعلام فيكفي أن تقول شيئا عن الإسلام أو تعدد الثقافات»، قبل أن يستدرك «هناك مشاكل طبعاً، ولكن السياسيين بالتأكيد يبالغون كثيراً». مشاكل التعدد وصلت إلى الممثلين أنفسهم، ففي حين يعرف الجمهور البلجيكي ممثلين مثل هايتنس، عبر أدوارها في المسلسلات التلفزيونية، لا يجد زميلاها في المسرحية فرصة كهذه.