«القانون لا يحمي المغفلين»... هذه العبارة ربما تكون ذات وقع متعدد على مسامع من خاضوا عالم التعليم عن بعد، فانعدام الضمانات في مجال التدريب الإلكتروني، يظل الهاجس الأكبر بالنسبة إل المُقدمين على هذه الخطوة، وقصص الخداع والنصب والاحتيال «رائجة» في المجتمع الإلكتروني، والحديث عنها ذو شجون. لا يشك نايف الشريم، وهو مدرب تنمية بشرية والمشرف على موقع تدريبي، في وجود مواقع تلجأ إلى الغش والخداع، «غالباً ما يحصل ذلك أثناء الإعلان عن دورات معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب، وبعد تسلّم الرسوم من المتدرب، يفاجأ بأنها ليست مسجلة لدى المؤسسة، ما يضطره إلى الصمت على مضض، لعلمه بأنه لم يؤمن نفسه قانونياً». ويضيف: «يجب على المتدرب أن يكون على دراية تامة بصدقية هذا الموقع أو المركز أياً كان مسماه، والسؤال عنه قبل خوض المغامرة»، موضحاً أن «البعض للأسف همه الكسب ولا شيء آخر، متناسين أن التدريب أسمى وأرقى من هذه الدهاليز المعتمة». وحول رغبة تلك المواقع والقائمين عليها في الكسب من وراء إقامة مثل هذه الدورات، أجاب: «نعم، لا مانع من الكسب، ولكن يجب أن يكون بحق ومن دون تدليس، ويجب وضوح الأهداف كلها للجميع». من جهته، أكد المدرب مصطفى أسبر أن العالم العربي يشهد في العامين الأخيرين توجهاً لافتاً نحو التدريب الإلكتروني، والتعليم عن بعد، مشيراً إلى أن البدايات كانت عبر المنتديات والغرف الصوتية. وقال: «تأثرت هذه المنتديات بهذا النوع من التدريب الذي انتشر في العقدين الماضيين في العالم، لتسهيل التعليم المباشر والتعليم الذاتي عبر الإنترنت، ولاقت ترحيباً ممن يحتاجون التدريب لكسر حواجز الوقت والكلفة المالية». وأضاف: «لكن لو نظرنا إلى عدد المستخدمين العرب للإنترنت، لوجدنا النسبة قليلة جداً مقارنة بمناطق أخرى من العالم، وهذا يشكّل بالتأكيد عائقاً في انتشار التدريب الإلكتروني ليشمل كل الراغبين في ذلك»، لافتاً إلى أن سكان المدن الكبرى يعدون المستفيد الأكبر من التقنية. وتحدث أسبر عن ثغرات من الناحية التقنية والفنية في طرح المادة العلمية عبر الإنترنت، «إذ تتركز بشكل كبير على برامج ودورات تطوير الذات، لأن مهاراتها شبه محدودة، والكلام عنها يلمس النفس البشرية مباشرة، فيكون التدريب عبر الغرف الصوتية ربما مريحاً للآخرين الذين يحتاجون لأن لا تظهر شخصياتهم مباشرة عبر التدريب المباشر». «في كل الأحوال ليس هناك أي شيء يمنع انتشار التدريب الإلكتروني، لكن يجب أن يكون محدداً أكثر ومتقناً أكثر، فمهارات المدربين متفاوتة وخبراتهم كذلك»، كما يقول أسبر الذي يشير إلى أن التدريب الإلكتروني يساعد الناس في تحقيق أحلامهم بالحصول على مهارات ومعلومات يسخّرونها في تطوير ذواتهم. واعتبر أنه من غير الممكن رفض هذا النوع من التدريب، لأنه يسد ثغرة موجودة في عالم التدريب، «فالقطاع يشهد انتشاراً واسعاً في هذه الأيام، لكن لا يمكننا التأكد من طرحه بشكل احترافي، لأن المنتديات تعمل بشكل تقليدي في هذا الأمر». ونبّه إلى جزئية انعدام التقويم الحقيقي، «من هو الذي يقدم التقويم لهذا النوع من التدريب؟» واستطرد: «يجب الانتباه إلى الجودة التي يتم التدريب عليها عبر الإنترنت، فالرقابة هنا ذاتية بين المدرب والمتدرب، وهذا بالطبع مهم، لكنه غير كافٍ». وأشار أسبر إلى أن الواقع يقول إن التدريب المباشر لا يزال مسيطراً بشكل شبه كامل، وبنسبة تتجاوز 90 في المئة من قطاع التدريب، لأن التدريب المباشر يتميز باحتوائه على مهارات لا يمكن طرحها عبر الإنترنت. بينما اعتبر المدرب في التطوير الإداري سامي باهبري التعليم الإلكتروني «مجرد تغيير في الوسيلة الدراسية»، من خلال الانتقال من الصفوف التقليدية إلى الصفوف الافتراضية مثل القاعات الإلكترونية الصوتية والمرئية، «وهي تقنية متقدمة وتعتبر المستقبل في عالم التدريب والتعليم». لكن مع كل المميزات المحيطة بالتدريب عن بعد، إلا أن باهبري لا ينكر وجود «مواقع تعليمية وهمية» تتعهد بتقديم ما يحلو للمتدرب تخيّله من دبلومات وشهادات، «لكن ذلك لا ينفي أبداً وجود الكثير من المؤسسات التعليمية الافتراضية التي تقدّم تعليماً لا يقل عن التعليم على أرض الواقع جودة واحتراماً». بينما ترى المدربة والمشرفة التربوية هنادي بني سلامة أن من إيجابيات التدريب الإلكتروني التحرر من قيود المكان والزمان، وغير ذلك بدلاً من الاعتماد على مصدر واحد كما هي الحال في التدريب التقليدي. وتشير إلى أن الدراسات في هذا المجال تقدر نسبة الوقت التي يوفرها المدرب بأنها تتراوح بين 20 و80 في المئة، وتفسّر ذلك بأن المتدرب يتحكم في تدفق المادة، «يمكنه تخطي الأجزاء غير الضرورية والتركيز على الأقسام التي يحتاجها، ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين والسماح للمتعلم بالخطو الذاتي، كما يتيح له اختيار المقررات التدريبية التي لها علاقة بعمله أو اهتماماته أو أوضاع حياته الخاصة».