بعد ساعات على صدمتي الهجومين الإرهابيين اللذين خلفا 14 قتيلاً وأكثر من 34 جريحاً في مدينة برشلونة شمال شرقي إسبانيا وبلدة كامبريلس جنوبالمدينة الكاتالونية وتبناهما تنظيم «داعش» على غرار تلك في مدينة نيس الفرنسية والعاصمة الألمانية برلين والعاصمة البريطانية لندن، صحت البلاد على عملية أمنية واسعة أثمرت عن اعتقال ثلاثة مشبوهين بينهم مغربي يدعى إدريس أوكبير في بلدة ريبول التي تبعد نحو مئة كيلومتر من شمال برشلونة، وآخر مولود في جيب مليلية الإسباني بالمغرب إثر انفجار في بلدة الكانار يُعتقد بأنه نجم عن محاولة لصنع عبوة ناسفة، وأسفر عن سقوط شخص. وأشارت مصادر أمنية إلى أن إدريس أوكبير هو شقيق المنفذ المزعوم لهجوم برشلونة موسى أوكبير الذي كان فرّ من موقع الهجوم، مع ملاحقة شرطيين له قبل أن يسقط قطعة معدنية سوداء قال شهود إنها مسدس أو مسدس كهربائي. وهي رجحت استخدام موسى وثائق شقيقه إدريس لاستئجار الفان الذي استخدم في شن الهجوم. ورجحت شرطة كاتالونيا لاحقاً مقتل موسى بالرصاص مع 4 «إرهابيين» آخرين استقلوا سيارة من طراز «أودي آي 3» لتنفيذ عملية دهس ثانية على شاطئ كامبريلس، ما أدى إلى جرح ستة مدنيين وشرطي واحد. وقال المسؤول في شرطة كاتالونيا جوزيب لويس ترابيرو: «يسير التحقيق في هذا الاتجاه. هناك مؤشرات إلى أن هذا ما حصل ولكن ليس هناك أدلة مادية». وكشف مصدر قضائي مطلع على التحقيقات أن السلطات الإسبانية تعتقد بأن بين 8 و12 شخصاً شكلوا خلية نفذت الهجومين، وبأنهم خططوا لاستخدام أسطوانات غاز البوتان خلال عملية شارع لارامبلا، علماً أن مدريد كانت شهدت الهجوم الأكبر في أوروبا في 11 آذار (مارس) 2004، حين سقط 191 قتيلاً في تفجير قطارات. وفي فرنسا، صرح وزير الداخلية جيرار كولوم أن السلطات خلصت إلى عدم علاقة منفذي هجومي برشلونة بمشبوهين داخل البلاد، «إذ لم نتعرف بعد التدقيق في قواعد بياناتنا إلى أي شخص كان في بلدنا». وأعلن الدفاع المدني في كاتالونيا أن ضحايا اعتداءي برشلونة وكامبريلس من 34 جنسية على الأقل لبلدان في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية. وتأكد مقتل بلجيكية وأميركي، فيما أفادت وزارة الخارجية الفرنسية بأن 26 مواطناً في عداد الجرحى بينهم 11 إصاباتهم خطرة، مع إبداء وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان «حزنه العميق لهذا العمل الجبان»، وتوجه إلى برشلونة لزيارة الضحايا الفرنسيين وتأكيد دعم فرنسا للشعب والسلطات في إسبانيا». أما وزارة الخارجية الألمانية فرجحت وجود 13 مواطناً بين جرحى عملية برشلونة، وبعضهم في حال الخطر. إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، جرح ثلاثة جزائريين في اعتداء برشلونة، مشيرة إلى أنهم يتلقون العلاج ويخضعون لرقابة طبية. وفي مواجهة ليلة الهلع التي شكلت مفاجأة خارج إطار اهتمامات برشلونة التي كانت تحاول استيعاب هزيمة فريقها الشهير لكرة القدم أمام ريال مدريد، وتتعايش مع حكومة كاتالونيا التي تصر على تنظيم استفتاء على الاستقلال، كما تواجه إضراباً ينفذه رجال أمن مطارها، رص سكانها الصفوف فوراً وتضامنوا، إذ توقف الإضراب في المطار، ونقلت سيارات الأجرة المحتاجين مجاناً، وتبرع متطوعون كثيرون بالدم. واستقبلت فنادق مجاورة لجادة لارامبلا المستهدفة سياحاً لجأوا إليها للانتظار في البهو، وقدمت لهم أغطية، علماً أن السلطات أغلقت محطات قطارات الأنفاق وسكك الحديد لساعات، بينما أدت عمليات تدقيق للشرطة إلى اختناقات كبيرة في حركة السير حتى ساعة متأخرة من الليل. وتحدث خوان مانويل رويز عن ما بعد الاعتداء في شارع هوسبيتال الضيق الذي يضم متاجر لبيع الورود والقطع التذكارية، وقال: «حدوث اعتداء في إسبانيا كان مسألة وقت بعد الهجمات في أوروبا. وبدءاً من اليوم لن تبقى الأمور على حالها، وربما لا يجب أن يُسمح لأي شخص بدخول مطاعم في الجادرة، وهذه ليست مسألة عنصرية بل نظام». أما مارك دي لا إيغليسيا فقال: «لا داعي للخوف. نحتاج إلى رسالة وحدة ومساعدة الناس الذين عانوا، وألا تتضرر صورة برشلونة». وأكد الرئيس الانفصالي للمنطقة كارل بيغديمونت: «لن نسمح بأن تقضي أقلية على طريقتنا في العيش التي بُنيت خلال قرون. نحن الآن وسنبقى شعب سلام وحسن ضيافة». وروى عمار أنور، المحامي الإسكتلندي للدفاع عن حقوق الإنسان الذي حضر مؤتمراً في برشلونة، أن آلاف الأشخاص شعروا بهلع وبدأوا يجرون لدى سماعهم صوت اصطدام، لكن بعد 30 ثانية وصلت آليات شرطيين مسلحين، وجرى عزلنا وإبعادنا إلى خارج منطقة الهجوم». وفي بلدة كامبريلس، روى ماركل ارتابي (20 سنة) الذي يعمل في احد المطاعم: «كنا على الشاطئ. سمعنا عيارات نارية اعتقدنا بأنها أسهم نارية، لكنها كانت رصاصات». وعبّر السائحان من فالنسيا راي بيري وروسيو أوردونيز عن صدمتهما من العنف الذي شهدته كامبريلس. وقالا: «إنها منطقة سياحية هادئة وعائلية، حيث يتنزه أشخاص كثيرون مع أولادهم». وفي رسالة بثها القصر الملكي الإسباني، قال الملك فيليبي السادس: «لن يرهبوننا. كل إسبانيا في برشلونة. لارامبلا ستعود مجدداً إلى الجميع». وصرح رئيس الحكومة ماريانو راخوي الذي توجه فوراً إلى برشلونة: «نحن متحدون في الألم وبالرغبة أيضاً في إنهاء الجنون والوحشية». وأكدت تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا التي ضربتها اعتداءات عدة في الأشهر الأخيرة: «نتضامن مع إسبانيا ضد الإرهاب». كما كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على «تويتر»: «سنفعل كل ما هو ضروري لمساعدة إسبانيا. كونوا شجعاناً وأقوياء نحن نحبكم». وزاد: «يجب أن يوقف الإرهاب الإسلامي المتطرف بأي طريقة. يجب أن تمنحنا المحاكم حقوقنا التي تحمينا، ونكون أكثر شدة». ولام ترامب «الديموقراطيين المعرقلين» الذين يعقّدون الأمن في الولاياتالمتحدة. وقال: «يستخدمون المحاكم والتأخير الناجم عنها في كل الأوقات. يجب أن يتوقف ذلك»، في إشارة إلى قرار المحاكم الفيديرالية وقف التنفيذ الكامل للحظر الذي اقترحه على وصول مواطني ست دول إسلامية إلى الأراضي الأميركية. وأشار إلى أن «الأمن الداخلي وتطبيق القانون في حال تأهب. حدودنا أكثر إحكاماً من أي وقت». بدوره شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن أوروبا تبقى متحدة. في حين قالت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل: «نقف مع إسبانيا في عزمها على ألا تمنع الهجمات الإرهابية الناس من أن يعيشوا حياتهم، خصوصاً في برشلونة التي تعتبر رمزاً للتسامح والجمال والتعايش السلمي بين ذوي الثقافات المختلفة». وأضافت: «كشفت لنا الهجمات مجدداً ازدراء البشرية التام للإرهاب الذي قد يبتلينا بساعات مريرة بالغة الحزن، لكن لن يهزمنا أبداً». وأبدى البابا فرنسيس «قلقه الكبير». أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فدعا إلى مكافحة عالمية «لقوى الإرهاب».