أصدرت غرفة الاستئناف في المحكمة الخاصة بلبنان أمس قراراً تمهيدياً يقع في 152 صفحة في شأن المسائل القانونية الخمس عشرة التي طرحها قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين. وتوصلت الغرفة إلى هذا القرار بعد جلسة علنية عقدتها أمس للاستماع إلى الملاحظات الشفوية التي أدلى بها كل من المدعي العام دانيال بلمار ومكتب الدفاع في جلسة علنية عقدت في 7 شباط (فبراير)، وبعد الاطلاع على مذكرتيهما الخطيتين وموجز حججهما. كما تلقت غرفة الاستئناف مذكرتين من نوع مذكرة صديق للمحكمة (وهي آراء قانونية) من أستاذين جامعيين وأخذتهما في الاعتبار. ومن أبرز بنود قرار غرفة الاستئناف، أولاً: تفسير النظام الأساسي، وأشارت غرفة الاستئناف إلى أن المحكمة الخاصة بلبنان، خلافاً لسائر المحاكم الدولية، تقتصر على تطبيق قواعد القانون الموضوعي اللبناني في شأن تعريف الجرائم. إلا أنها أضافت أن المحكمة ستطبق القانون اللبناني كما تفسره وتطبقه المحاكم اللبنانية «ما لم يتبين أن هذا التفسير أو التطبيق غير معقول، أو أنه يمكن أن يؤدي إلى ظلم مبين، أو انه لا يتوافق مع المبادئ والقواعد الدولية الملزمة للبنان». وثانياً: تعريف مفهوم الإرهاب، اذ اكدت غرفة الاستئناف أن المحكمة ستطبق القانون اللبناني في ما يتعلق بجريمة الإرهاب، القائمة على الأركان التالية: أ- فعل مرتكب عن قصد لنشر الذعر، سواء أكان يشكل جريمة بحسب الأحكام الأخرى من قانون العقوبات أم لا. ب - استعمال وسائل «من شأنها أن تحدث خطراً عاماً» كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة والعوامل الوبائية أو المكروبية. وأفادت غرفة الاستئناف في تحليلها المفصل بأن المحاكم اللبنانية تعتمد بصورة عامة مقاربة ضيقة النطاق في ما يخص الركن الثاني (ب)، وذلك بحصر جرائم الإرهاب في تلك الجرائم المرتكبة بالوسائل المعددة في قانون العقوبات، والتي لا تشمل الاعتداءات المرتكبة بالرشاشات على سبيل المثال. وخلصت الى أن قانون العقوبات اللبناني ذاته يدل على أن تعداده لوسائل الجريمة الإرهابية إنما هو على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي يمكن المحكمة أن تفسر أحكام قانون العقوبات ذي الصلة تفسيراً أوسع نطاقاً. وثالثاً، الجرائم والمسؤولية الجنائية. ورأت غرفة الاستئناف أن القانون اللبناني ينطبق على جريمتي القتل والمؤامرة. وترد في النظام الأساسي للمحكمة إشارتان إلى أشكال المسؤولية الجنائية، وذلك في المادة 2 التي تركز على قانون العقوبات اللبناني، وفي المادة 3 التي تبين أشكال المسؤولية وفقاً للقانون الجنائي الدولي. ونظرت الغرفة في احتمال وجود تنازع بين هذين القانونين، وخلصت إلى استنتاج مفاده أن القانون اللبناني يتوافق مع القانون الدولي في معظم الأحوال في هذا الصدد. وأفادت بوجوب تطبيق القانون اللبناني عندما لا يوجد تنازع بين هذا القانون والقانون الدولي، وبوجوب تطبيق النظام القانوني الذي يتبين أنه يحفظ حقوق المتهمين أكثر من غيره عندما يوجد تنازع بين هذين القانونين. رابعاً، اجتماع الجرائم والادعاء بأكثر من وصف جرمي للفعل الواحد، وتركز هذه المسألة على ما إذا كان من الممكن أن يؤدي السلوك الواحد (مثلاً زرع قنبلة) الذي يسلكه فرد ما إلى اتهامه بتهم مختلفة (القتل والإرهاب مثلاً)، وما إذا كان من الجائز الادعاء بأكثر من وصف جرمي للفعل الواحد (القتل والإرهاب) أو التخيير بينها (القتل أو الإرهاب). ولفتت الغرفة النظر إلى أن القانون اللبناني يجيز اجتماع الجرائم المعنوية، وتقضي بالتالي بوجوب الأخذ بذلك في المحكمة. وذكرت غرفة الاستئناف المدعي العام بضرورة الحرص على إطلاع المتهمين على التهم الموجهة إليهم بأوضح طريقة ممكنة. ولن يسمح بالادعاء بأكثر من وصف جرمي للفعل الواحد إلا عندما تختلف الجرائم المنسوبة إلى المتهمين اختلافاً حقيقياً بحكم طبيعتها. وعرضت اسئلة شائعة، منها: «كم تستغرق عملية نظر قاضي الإجراءات التمهيدية في قرار الاتهام؟»، وأفادت التقديرات الأولية الخاصة بعملية النظر في قرار الاتهام بأن هذه العملية ستستغرق فترة تتراوح بين ستة وعشرة أسابيع على الأقل. ولم يطرأ أي تغير على هذه التقديرات على رغم احتمال استغراق هذه العملية أكثر من عشرة أسابيع نظراً الى درجة التعقيد التي يتسم بها هذا الموضوع وحجم المواد المؤيدة لقرار الاتهام. «ومتى يعلن محتوى قرار الاتهام؟»، وأشارت الى أن قرار الاتهام يبقى سرياً أثناء عملية النظر فيه من أجل حماية الفرد المذكور (الأفراد المذكورين) فيه. ويتوقع إعلان محتوى قرار الاتهام إذا ما تم تصديق هذا القرار. ويجوز مع ذلك، في ظروف استثنائية، لكل من المدعي العام ورئيس مكتب الدفاع أن يطلبا الإبقاء على سرية قرار الاتهام بعد تصديقه (مختوماً) حفاظاً على مصلحة العدالة. ويفصل قاضي الإجراءات التمهيدية في أي طلب في هذا الصدد. ووزعت المحكمة ملاحظات رئيسها القاضي انطونيو كاسيزي خلال الجلسة. واعتبر كاسيزي أن «القرار اعتمد بالاجماع، واستند الى مصادر منها معرفة زميلينا اللبنانيين العميقة والمباشرة بالقانون اللبناني. وأنتج الطابع المختلط للمحكمة مزيجاً ملائماً من الخبرات القانونية من أعراف وثقافات قانونية مختلفة»، مشيراً الى أن هذا النموذج «لا يعمل على اثراء مؤسستنا القضائية فحسب، بل يوفر ايضاً وسيلة فكرية مهمة للمساعي اللبنانية والدولية الخاصة بالمساءلة».