بعد تفاؤل بدأ يسري في أوساط الاقتصاديين في مصر، مؤكدين أن تنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم أنقذ مصر من كارثة اقتصادية لو أن الوضع السابق استمر، وعلى رغم استئناف عمل عدد كبير من قطاعات الاقتصاد المصري بانتظام، في مقدمها الصناعة، إلا أن عودة الاقتصاد المصري إلى النمو باتت مرهونة بعودة الاستقرار السياسي في شكل كامل. وفي ظل المخاوف من تراجع الاستثمارات الخارجية لفترة غير قصيرة، والتي تشير تقديرات إلى احتمال تراجعها من 5.8 بلايين دولار إلى 4.5 بلايين، اجتاحت روح التمرد التي أدت إلى تنحي الرئيس المصري السابق، القطاعَ العام، ملهِمةً العمال الذين ضاقوا ذرعاً بالأجور الهزيلة وظروف العمل البائسة للخروج إلى الشوارع للاحتجاج. ومن المؤسسات المالية المملوكة للدولة في القاهرة حتى ميناء الإسكندرية، نظم العمال إضرابات الأحد الماضي، ما أدى إلى تعطل الأعمال وإجبار البنك المركزي على إعلان عطلة لم تكن مقررة الإثنين. وانتقلت الهتافات من ميدان التحرير إلى الشوارع المحيطة في حي المصارف والمال في القاهرة، إذ طالب العمال بإطاحة رؤسائهم أيضاً. وخارج شركة تأمين مملوكة للدولة على بعد بضعة أمتار من الميدان، طالب مئات العمال برحيل المديرين معبِّرين عن الفجوة الكبيرة بين أصحاب المداخيل المرتفعة والمنخفضة. وبصرف النظر عن ضآلة الأجور، يشكو البعض من عدم إبرام الشركات التي يعملون لديها عقود عمل رسمية معهم بعد سنوات من العمل. وتوظف الدولة ما لا يقل عن 5.7 ملايين شخص في القطاع العام العريض. ووردت تقارير عن احتجاجات واعتصامات وإضرابات في مؤسسات مملوكة من الدولة، من بينها البورصة وشركات نسيج ومؤسسات إعلامية وشركات للصلب وهيئة البريد والسكك الحديد والشرطة ووزارة الصحة، إذ شهد الجهاز المصرفي أول من أمس بداية «ثورة غضب» من العاملين لديها، واعتصم آلاف الموظفين أمام مقار المصارف في القاهرة والمحافظات، مهددين بالتوقف عن العمل في حال عدم تنفيذ مطالب محددة في واحدة من أخطر الاحتجاجات التي تشهدها مصر، باعتبار أن المصارف تمثل الأداة الرئيسة الداعمة للاقتصاد المصري في ظل حال عدم الاتزان التي يمر فيها في كل قطاعاته نتيجة احتجاجات الثورة. وشكل المتظاهرون حركة «المصرفيون الأحرار»، انتشرت في ما يزيد على18 مصرفاً، ويتمثل معظم مطالبهم في تحديد هيكل مالي وإداري جديد لجميع العاملين في المصارف، والكشف عن الفساد المالي والإداري ومحاسبة المتسببين فيه، وضرورة المساواة في الرواتب الخاصة بموظفي المصرف، وتعديل المرتبات الأساسية، وإلغاء ندب المستشارين الذين يتقاضون مرتبات ضخمة، ورفع مستوى الأجور للعاملين، فضلاً عن إقالة رؤساء المصارف، ما اضطر رئيس البنك الأهلي طارق عامر إلى تقديم استقالته رهناً بموافقة المركزي. لكن مجموعة من رؤساء المصارف أكدوا استقالتهم في حال موافقة المركزي على استقالة طارق عامر، فيما ترددت أخبار عن رفضها. وشهد البنك الأهلي أبرز التظاهرات، ونظمها 2000 موظف أمام المقر الرئيس للمصرف، مطالبين بتثبيت العاملين وضم جمعية خدمات العاملين إليه. إلى ذلك، اعتصم أكثر من 600 موظف وعامل في بنك الإسكندرية انتيسا سان باولو صباح أول من أمس، وطالبوا ببطلان صفقة بيع بنك الإسكندرية، وإسقاط الثقة وسحبها من نقابة العاملين. وفي بنك مصر، اعتصم أمس نحو 250 موظفاً أمام المقر الرئيس للمصرف، مطالبين بإسقاط رئيس البنك محمد بركات وأعوانه، بمن فيهم المستشارون غير المؤهلين للعمل المصرفي. ونتيجة ذلك، أعلن البنك المركزي المصري مجدداً استمرار إقفال المصارف حتى مطلع الأسبوع المقبل، وأهاب في بيانٍ بالعاملين «مراعاة المصلحة العامة وظروف البلاد ودفع عجلة الاقتصاد القومي في ظل الظروف الراهنة». وأشار إلى أن «عدداً من المصارف في مصر، لا سيما الحكومية، مثل البنك الأهلي وبنك القاهرة شهدت احتجاجات نظمها العاملون للمطالبة بحقوقهم المالية. وأعلن البنك المركزي المصري في بيان آخر، «فتح حساب في البنك باسم الحكومة المصرية لتلقي مساهمات دعم الاقتصاد المصري»، مشيراً إلى أن ذلك «جاء بناء على رغبة المصريين العاملين في السعودية». وفي ما خصّ البورصة المصرية، أعلن رئيسها خالد سري صيام، أن سوق الأوراق المصرية «تستأنف نشاطها، مع بدء استقرار الأوضاع العامة، وانتظام العمل في القطاع المصرفي وخدمات الاتصالات والإنترنت». وتوقعت البورصة «بدء التداول مطلع الأسبوع المقبل، بعد التشاور بين الهيئة العامة للرقابة المالية وشركة مصر للمقاصة والجمعيات الممثلة للشركات العاملة في الأوراق المالية والمستثمرين في البورصة». وأكد البنك المركزي المصري عزمه «الاستمرار في الحفاظ على الاستقرار النقدي، واستقرار سوق الصرف وسلامة القطاع المصرفي وضمان ودائع العملاء». وأشارت وكالة «رويترز»، إلى أن البنك المركزي «سيطرح أذون خزانة بقيمة 10 بلايين جنيه (1.7 بليون دولار) في مزادات الأحد والإثنين المقبلين».