الخلاف الرئيس بين شعبان عبدالرحيم وبيني هو أنه يحب عمرو موسى، أما أنا ومعي معظم الشعوب العربية فلا. الأمين العام لجامعة الدول العربية، وزير خارجية مصر السابق، أو الأسبق لا يهم عمرو موسى، بلغ من الكبر عتياً - بمعنى العمر وبمعنى التعالي والغرور - فهو في السبعينات من عمره، كما أنه مصاب بداء حب العظمة كما يذكر بعض المحللين. شاهده الجميع في تصريحات تلفزيونية يتحمس لثورة الشباب بعد أن خلع ربطة العنق ليخرج بمظهر الشباب العشريني أو الثلاثيني، أو بمظهر بعض الرؤساء الأميركان عندما يكونون في حملاتهم الانتخابية بين الجموع. لكن المثير أن حماسته ومظهره الشبابي ظهرا وهو يجلس في مكتبه الرسمي وخلفه علم الجامعة العربية، ما أثار إستهجان كثير من المراقبين الذين رأوا فيها تعدياً على هيبة المنصب واستخفافاً بسمعة الجامعة وإقحامها في شأن محلي. لا بأس في أن يتحمس عمرو موسى لما حدث ويحدث في مصر، بلده الأم، فذلك أمر مشروع ولكن بعيداً من المقر الرسمي لجامعة كل الدول العربية. بالأمس أفسدت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية علي فرحتي بانتصار ثورة الشباب في مصر، إذ ذكرت أن الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى قال إنه سيترك «خلال أسابيع» رئاسة الجامعة التي تولاها لنحو عشر سنوات، والأكيد أن عينه على رئاسة جمهورية مصر العربية، عندها تملكني الخوف كمواطن عربي على الديبلوماسية العربية، وخوف مضاعف في حال ترشح عمرو موسى لرئاسة مصر. ولكن، لماذا الخوف على الديبلوماسية العربية مادام عمرو موسى سيترك منصبه كأمين عام لجامعة الدول العربية؟ حسناً، ترك عمرو موسى المنصب يتطلب اختيار أمين عام جديد، وهنا يكمن الخطر وبالتالي الخوف، أن يتقدم إلينا وزير الخارجية السابق أبو الغيط، كما جرت عليه العادة، كي يطالب بحقة كوزير خارجية متقاعد ليستلم المنصب الذي طالما كان مقعداً للمتقاعدين من الديبلوماسية المصرية، وبالأخص وزراء الخارجية، خصوصاً في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به مصر داخلياً وخارجياً الذي يضع كثيراً من الدول العربية في حرج وما ينتج عنه من مجاملات وتعاطف عربي للتأكيد على أن دور مصر العربي لم يتغير، مع أن الجامعة العربية برمتها كانت ولا تزال محل نقاش وجدل دائم بين الدول الأعضاء حول الميثاق والمقر وجنسية الأمين العام. فمن ناحية، يثبت تاريخ الجامعة العربية فشلها الذريع كمنظمة دولية فاعلة في ما يخص القضايا العربية، كما أنها كانت ولا تزال ذراعاً مهمة من أذرعة الخارجية المصرية، ما أفسد العمل العربي المشترك، إذ يقوم الأمين العام بتبني أو إفساد أي موضوع لا يتناسب مع المزاج السياسي المصري، ولا يمكن للجامعة أن تتخذ موقفاً يتعارض مع الموقف المصري بأي شكل من الأشكال، باستثناء ما تم في قمة بغداد نتيجة «كامب ديفيد»، وما عدا ذلك بقيت الجامعة العربية رهن إشارة الخارجية المصرية. من ناحية أخرى، أسهم عمرو موسى شخصياً في زيادة الحنق على هذا المنصب، وأثار الكثير من المشاكسات بسبب شخصيته النارية، ودواخله النفسية، وأجندته السياسية التي تطغى على ممارسته لهذا العمل الديبلوماسي الرفيع، ما ينعكس سلباً على العلاقات البينية بين الدول الأعضاء وبين تلك الدول والجامعة الأم، ويظهر ذلك واضحاً وجلياً في تصرفاته وعدم لياقته الديبلوماسية في إدارة الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات والتصريحات، بدءاً برؤساء دول وانتهاءً بالصحافيين، حتى أن كثيراً من المحللين يذهبون إلى أنه أسهم في جزء من الفرقة بين الدول العربية، بسبب عدم إدراكه للفرق بين الديبلوماسية الأحادية كوزير خارجية، والديبلوماسية الجماعية كأمين عام لمنظمة دولية تضم دولاً عدة تختلف في الرؤى والمصالح، ولا أظن، أن أحداً في العالم العربي ينسى ذلك المشهد المثير في منتدى دافوس عندما اعترض رئيس وزراء تركيا على كذب الرئيس الإسرائيلي، بينما عمرو موسى مستأنساً بالأضواء في المنصة لم يحرك ساكناً في أمر يعني العرب وتتبناه الجامعة العربية. في المقابل، تشعر كثير من الدول العربية بحرج وغضاضة لامتلاك وهيمنة مصر على شأن الجامعة العربية، حتى أصبح مجرد الحديث عن اختيار الأمين العام غير مصري، أو التفكير في نقل مقر الجامعة من القاهرة هو بمثابة إهانة لمصر، أو تعدٍ على السيادة المصرية، أو انتقاص من دورها المحوري، وهذا بطبيعة الحال ومنطق الأشياء تفكير متخشب وهيمنة ليس لها من تفسير. لقد فشلت هذه المنظمة العجوز في تحقيق الحد الأدنى من طموحات أي من الدول الأعضاء، لدرجة أن الاسم أصبح في حد ذاته مكسباً ومطلباً عربياً لإيهام العالم بأننا أمة واحدة ويد واحدة، وهذا التفكير هو قمة التخلف في قاعدة الفكر العربي. أتذكر أني زرت الجامعة العربية قبل أكثر من عقد من الزمان بدعوة كريمة من أمينها العام حينذاك الدكتور عصمت عبدالمجيد، وللحق قلت وأقول، إنها كانت ولا تزال تدار بطريقة بدائية ومتخلفة، جلست إلى عدد من الموظفين في مناصب عليا وفوجئت بأنهم يمارسون ألعاب التسلية على أجهزة الكومبيوتر التي ركبت حديثاً آنذاك، دخلت المكتبة فإذا بي في مكتبة أقل مستوى وتجهيزاً ونظافة من مكتبة مدرسة ثانوية، أما الموظفون فالغالبية العظمى من دولة المقر والبعض الآخر، أما من المغضوب عليهم سياسياً أو من يراد تكريمه في نهاية مشواره الوظيفي من بعض الدول الأعضاء، ولهذا لا نستغرب أن تعاني الجامعة من عجز مالي وإداري بسبب سوء الإدارة، خصوصاً ونحن نعلم أن مكاتب هذه المنظمة العجوز تنتشر في خمس قارات؛ أفريقيا وآسيا وأوروبا والأميريكتان ضمن بعثات في 24 مدينة في كل من: مالطا وبرلين وفينا وجنيف وباريس ولندن وروما وموسكو ومدريد وبروكسل وبوينس أيرس والبرازيل ونيويورك وواشنطن وأنقرة وبغداد ونيودلهي وبكين وجوبا وبريتوريا والصومال ومروني ونيروبي وأديس أبابا. الخوف الثاني، أن يترشح عمرو موسى ليكون البديل الأسوأ لرئاسة مصر، في وقت فرحت فيه مصر والعالم أجمع بالثورة الشعبية وانعتاق الشعب المصري والشخصية المصرية من أساليب القمع والاستبداد والنفاق السياسي، وسئمت الدول العربية من خطاب الاستعلاء الذي يمارسه إعلام السلطة وأساليب الدس التي يعمل بها الساسة المصريون، وإذا كنا جميعاً نمتدح الشعب الأميركي ونحتقر ونستهجن السياسة الأميركية، فالأمر ذاته ينطبق على شعب مصر والسياسة المصرية. مصر تحتاج إلى قادة يؤمنون بتمكين الشعب المصري وإطلاق قدراته المكنونة والمكبوته لأكثر من 60 عاماً وتحرير الفكر المصري من عوالق فكرية عفا عليها الزمن لكي تستعيد دورها ومكانتها وتنتقل من دولة هشة ضعيفة من الدول الرضع (Incubator State) إلى دولة تعتمد على ثرواتها المتعددة وأهمها الثروة البشرية. بالمناسبة، يذكر التاريخ أنه في بداية القرن ال «20» كان هناك أربع حواضر في العالم فقط: لندن وباريس والقاهرة وبومباي، لم تكن حينها نيويورك أو طوكيو أو لوس أنجلس أو هونغ كونغ أو دبي. كانت مصر في منتصف القرن الماضي، أيضاً، تحتضن الآلاف من أبناء الشعب العربي في منح دراسية، كما كان مفكرو مصر وأساتذتها في كل مدينة عربية ينصت ويتعلم منهم الجميع. والسؤال: أين مصر الآن؟ ختاماً، نأمل ونتمنى على إخواننا في مصر ألا يشعروا بأي انتقاص إذا ما طالبت الدول العربية بأمين عام من بقية رجالات العالم العربي وهم كثر، أو حتى بنقل المقر إلى عاصمة أخرى مثل الرباط أو عمان أو أبوظبي أو الدوحة. فمصر في ظننا تحتاج إلى عقد من الزمان لكي تعيد ترتيب أوراقها وصناعة الشخصية المصرية من جديد، تحتاج إلى ثورة داخل الثورة. أما من يختار شعب مصر رئيساً له، فهذا شأن مصري خالص يقرره الشعب وأولهم الشباب الناضج الذي يستطيع أن يميز بكل وضوح بين الغث والسمين. مصر دولة محورية في قلب الجغرافيا والتاريخ، وتحتل مكانة خاصة في قلوبنا جميعاً، ليس لأنها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، فلم يعد حجم الدول ذا أثر في العلاقات الدولية، بل لأنها تملك تاريخاً عريقاً وقادرة على صنع المجد لأبنائها، لأنها حين تفعل ستنتقل من قاعدة الشفقة إلى قمة الاحترام في نظر أبنائها أولاً وبالتالي في نظر الآخرين، وهذه هي العظمة. حفظ الله مصر من شعبان عبدالرحيم وعمرو موسى... عظيمة يا مصر. * باحث سعودي. [email protected]