«سعادتي بجائزة أحسن ممثل في مهرجان وهران السينمائي في دورته العاشرة بالجزائر، كان سببها الرئيس أننا أكدنا للعالم أن هذه الحرب الملعونة لم تهزمنا ... وسنظل متمسكين بثقافة الإبداع والحياة في مواجهة ثقافة الموت والتخلف». بهذه الكلمات العاطفية والبسيطة عبّر الفنان السوري أيمن زيدان عن فرحته بالجائزة التي نالها عن دوره في فيلم «الأب» لباسل الخطيب، وهو الفيلم السوري الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، وفيه يلعب أيمن زيدان دور أب يحاول إنقاذ أسرته الذين وقعوا أسرى لدى إحدى التنظيمات الإرهابية التي اقتحمت القرية. أيمن زيدان من الوجوه الفنية التي قدمت للدراما السورية لمسات خاصة وساهمت في مفاصل عديدة من تطورها وتحولاتها الناهضة حيناً والمتعثرة أحياناً (تمثيلاً وإنتاجاً واكتشافاً). تتلمذ أيمن زيدان بإشراف مبدعين في عالم التمثيل والإخراج أمثال أسعد فضة والراحل فواز الساجر، وبعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1981 عمل في المسرح فاشترك في مسرحيات عدة كممثل أو مخرج في بعضها. أعطى الكثير من حبه وفنه وإبداعه للمسرح القومي والمسرح الجوال في سورية. وهو بعد عودته من سفره الى ألمانيا للحصول على دورة في الإخراج المسرحي عاد وتولى منصب مدير المسرح الجوال. عام 1983 يمنحه مأمون البني فرصة العمل في مسلسل بعنوان «نساء بلا أجنحة» فيقرر أيمن زيدان خوض غمار التجربة التلفزيونية التي استمر بها حتى الآن بعشرات الأعمال التلفزيونية المهمة والمتنوعة والتي صنعت في جزء مهم منها تاريخ الدراما السورية المعاصرة تمثيلاً وإخراجاً. بوابة السينما تشرع لأيمن زيدان من خلال أدائه دوراً مهماً في فيلم» أحلام المدينة» للمخرج محمد ملص، ذلك أن فرصة العمل في السينما في بلد ينتج كل عام فيلماً أو فيلمين وخصوصاً في تلك السنوات، كان تجربة استثنائية على كل الصعد. اذا نظرنا إلى تجربة أيمن زيدان السينمائية هنا حصراً، ذلك أن الاقتراب من أعماله التلفزيونية الكثيرة يتطلب غير ذي مكان، فإننا سنجد لديه سبعه أفلام سينمائية بدأها بفيلم «أحلام المدينة» لمحمد ملص، «الطحالب» لريمون بطرس، «الرسالة الأخيرة» لباسل الخطيب، «مطر أيلول» لبعد اللطيف عبد الحميد، «الأب» لباسل الخطيب، «درب السما» لجود سعيد، وأخيراً «مسافرو الحرب» لجود سعيد والذي يصور حالياً، ويروي الفيلم حكاية سوريين يلهثون وراء أحلامهم المشتهاة، صانعين الفرح والحب في آتون هذه الحرب المجنونة، وذلك عبر قصة «بهاء» (أيمن زيدان) التي تبدأ من حلب وتنتهي أو ربما لا تنتهي ... ويجري تصوير هذا الفيلم في مناطق عدة منها حمص وريفها وحلب واللاذقية وريف حماة، وإلى هذا يستعد زيدان لتجربته الإخراجية الأولى سينمائياً بفيلم من انتاج المؤسسة العامة للسينما في سورية. أيمن زيدان الإنسان والفنان، المخرج والممثل، والذي صنع بصمة مهمة ومميزة في الدراما السورية، وكان أحد مفاصلها الأساسية، وبعد هذا العمر المديد يحاول تهشيم مرآته التي فضحت تجاعيد العمر على محياه، فتكسرت شظايا على سنوات طويلة مليئة بالحب والعمل والحلم والتعب والمغامرة والجنون، يخاف الزمن وخيانات الجسد «هكذا هو الزمن ...لا أدري كيف هرب هذا الأحمق» فمعركته مع الحياة تكمن هنا وليس في عداوات ومعارك لا معنى لها، يلامس بحب مدينة أحب فيقول لها وعنها:» في دمشق العشق لا يموت ... والفرح ينسل من ثنايا الوجع ... لن يهزم أحد فرح مدينة خلقت للحب»، ولكل ذلك ولغيره يقرر أيمن زيدان البقاء في دمشق في ظل الأزمة السورية والحرب المشتعلة في كل مكان وفي ظل ظروف حياة وعمل صعبة، ليس موقفاً مع هذا الطرف أو ذاك، وليس انحيازاً لهنا أو هناك، إنه ينتقد الفساد والحرب والموت والأنظمة البيروقراطية والتعسفية والظلم والإرهاب والتخلف، ينحاز إلى الحلم والجمال والفن والمستقبل، يبكي كطفل صغير، ويتحول إلى زلزال إذا لامس أحد أحلامه، روحه المليئة بالحب والطفولة والجمال لا تشيخ فهو يعابث الحياة بالسخرية والتهكم أحياناً، البقاء هنا والآن بالنسبة إليه تحدٍ ومغامرة. ملامح وجهه الخاصة والتي تنوس بين القسوة والطفولية الدافئة وطبيعة صوته ومخزونه الثقافي والمعرفي والحياتي الغني واشتغاله المكثف على كل شخصية يؤديها، مكنته من تقديم أدوار مختلفة إلى حد كبير، من أقصى التراجيديا والأداء الشكسبيري المفعم بالفخامة والقسوة إلى أقصى أدوار الكوميديا والذي يتميز بالسهولة والليونة والعفوية والبساطة. أيمن زيدان ... الذي قدم للدراما التلفزيونية عموماً ما يقارب الأربعين عملاً تلفزيونياً إضافة إلى سبعة أفلام سينمائية وما يقارب العشر مسرحيات، لا يتعامل مع الفن والأعمال التي يقوم بها كنزوة عابرة ولا يتعامل مع أي دور يقدمه باستخفاف أو تعال أو مواربة، وإنما يتعامل معها كهم يومي ودائم في البحث عن صيغ جديدة.