بدأت القناة السويدية الثانية أخيراً عرض الجزء الأول من رباعية «بوتين بحسب أوليفر ستون» الوثائقية المثيرة للجدل، التي استغرقت من المخرج الأميركي المعروف عامين كاملين لتحقيقها. وقد نُفّذ عبر 12 لقاء لم يبخل فيها برسم صورة مختلفة ل «القيصر»، وإن شابتها مشاغبات لم تقنع مشاهد هذه الرباعية بحياد ستون الذي لا يدخر جهداً، كما في معظم أفلامه من نقد السياسات الأميركية المتعاقبة وتوجيه السهام لها. رباعية بوتين لقيت انتقادات واسعة في أمكنة كثيرة حول العالم حيث عرضت، فالرجل الذي يعتبر عدواً لدوداً للمعارضات الداخلية بجميع أنواعها وجد فرصة ذهبية للعبور من هذا المضيق نحو تشعبات الحديث عن الخدمات الجليلة التي قدمها للشعب الروسي منذ نحو 18 عاماً، وهذا ما اعتبره بعضهم كذباً بخصوص أوكرانيا وسورية. كاميرا صاحب «قَتَلَة بالفطرة» أفسحت مجالاً كبيراً أمام الرئيس الروسي ليعرض أشياء كثيرة من كذب وتضليل الإعلام الأميركي في مناسبات كثيرة، كما في حادثة طائرة قيل إنها روسية وتقوم بأعمال قصف في سورية وتبين أنها مستلة من فيلم قديم صُوِّر عام 2009 لمروحية أميركية تقوم ببعض أعمال القصف في أفغانستان. يبدو أوليفر ستون مستمراً هنا في نهجه إزعاج الولاياتالمتحدة الأميركية كما فعل في «سنودن»، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي على سبيل المثل. وما يفعله مع بوتين ليس أقل إثارة من فيلمه المذكور، وبالتأكيد سيحظى بالكثير من النقد والجدل. في السويد مثلاً، ظهرت أصوات تطالب بتبرير كيفية السماح بعرض هذه الرباعية التي تتمحور حول زعيم لا يعترف بأي معارضة، ويُعتبر بشكل أو بآخر عدو المرأة. وفي الساعات الأربع التي حظي بها ستون، ظل بوتين يركز في أحاديثه على ضرورة إيجاد فرص عمل أكبر للمواطنين الروس، وكأنه ليست هناك مشاكل سواها، بينما ظلت قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان ومعاناة الروس مع «البوتينية»، كما ذهب محلل سويدي على هامش هذه الساعات الطويلة، لأن ستون نفسه انشغل بتلميع صورته على حساب بلاده، كما حدث في نقل آرائه وقناعاته بخصوص ازدواجية المعايير الأميركية في الكثير من القضايا المتعلقة بالشأن الروسي، فهي تقاتل «المجاهدين» في أفغانستان، وتقف الى جانبهم في الشيشان. ليس بعيداً من ذلك بالطبع التذكير بالميل السينمائي في ذهنية أوليفر ستون، فهو صاحب باع طويل في إخراج وإنتاج أفلام روائية ذاع صيتها على مستوى العالم، وهو نفسه حاصل على أوسكارات، على الرغم من تصنيفه عدواً شرساً ل«الإمبريالية الأميركية» في حسابات كثر. وهو قد طلب مازحاً مشاهدة قاعة العرش في قصر الكرملين، ليقدم عبر مونتاج متوازٍ مشهداً من الجزء الثاني من فيلم «ايفان الرهيب» للمخرج الروسي سيرغي آيزنشتاين، وهو الفيلم الذي لم يكمله بالطبع ويشاع أنه قضى بسببه. وبيّن محضر مستل من أرشيف المخابرات السوفياتية ووزير الثقافة ومستشار ستالين الثقافي أندريه جدانوف وهو يقوم بالتحقيق مع صاحب «المدرعة بوتمكين»، وقد ظل هذا الأخير واجماً لشدة خوفه، فيما قام الممثل الرئيس في الفيلم شيركاسوف بالرد على الأسئلة حول وشايات تتعلق بتشبيه جوزيف ستالين بايفان الرهيب في الفيلم. مهما كانت تلك الحقائق المطموسة التي تم تغييبها ومدى صحتها ودقتها عبر عقود طويلة، فإن دعابات أوليفر ستون ظلت حاضرة في الرباعية الوثائقية، وكأنها الختم الذي ينوي به وضع بصمته عليها من خلال اللقطات التحتية لفلاديمير بوتين، والتي تظهره شريراً وصاحب نقمة ودهاء شديدين، مذكراً بأحداث من الحرب الباردة، ومردداً أن الولاياتالمتحدة انما تمضي في حصار روسيا مع انفراط عقد هذه الحرب، وأن ما ما يفعله في سياسته هو ضمان أمن بلاده لا أكثر ولا أقل. ولكن لا يفوت ستون هنا- في هذه الرباعية الأكثر إثارة للجدل من كل أفلامه الوثائقية كما يظهر حتى الآن- أن يضيف القيصر الروسي الى قائمة أعداء الولاياتالمتحدة الأميركية التي دأب على ملاحقتها بعدسته: كاسترو، شافيز وبالطبع ادوارد سنودن، وإن ظهرت الآية مقلوبة هنا في الجزء الأول، اذ ظهر أن بوتين هو من يقود الفيلم الى مبتغاه حتى يصح القول «أوليفر ستون بحسب بوتين»، لا العكس.