لا يخفي بعض ابرز المقربين من رئيس الوزراء نوري المالكي حيرته امام اضطراره الى قبول وزراء في حكومته «خارج معيار الكفاءة والمواءمة، فالغاية تبرر الوسيلة». والغاية، على ما يقول هؤلاء المقربون هي «المحافظة على العملية السياسية» امام تصاعد وتيرة النقمة الشعبية بسبب العجز عن توفير الخدمات». لكن ارضاء خصوم المالكي بحصص في الحكومة لم يكن أكثر صعوبة من ارضاء حلفائه واقربهم إليه حزب «الدعوة – تنظيم العراق» الذي يخوض مواجهة مفتوحة معه ومع الكتل الاخرى لفرض مرشحه خضير الخزاعي نائباً لرئيس الجمهورية، على رغم حصول اتفاق نادر على رفضه في الوسط السياسي الذي يتهمه بالفشل في ادارة وزارة التربية في الدورة السابقة» الى درجة دفعت نقيب المعلمين في الكرخ ناصر العكيلي الى التحذير من «إسناد أي منصب رسمي إليه» لأنه «عرض وزارة التربية للدمار». وكان البرلمان فشل في تمرير اسماء نواب رئيس الجمهورية الثلاثة وهم، إضافة الى الخزاعي، عادل عبدالمهدي من «المجلس الاعلى»، وطارق الهاشمي من «العراقية». ويقول احد قادة «حزب الدعوة» المقرب من المالكي، رافضاً ذكر سمه، ان «الخزاعي مفروض على المالكي على رغم انه مرفوض حتى من بعض شخصيات حزب الدعوة، إضافة الى اعلان كتلة الصدر وتيار الحكيم رفضه في شكل رسمي، ودفعه الى منصب نائب رئيس الجمهورية وهو منصب تشريفي كان بديلاً عن مطالبة حزبه (تنظيم العراق) بجعله نائباً لرئيس الوزراء او وزيراً للتعليم العالي او التربية من جديد». لكن عدداً من السياسيين، من مرجعيات حزبية مختلفة ومتباينة يتفقون على ان الاعتراف باخفاق الخزاعي في وزارة التربية يفترض ان يحول دون تسلمه منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو منصب في أعلى سلم الهرم الاداري، مع انه تشريفي. وتلخص محنة الخزاعي حقيقة الوضع السياسي في العراق، فهي من جهة تكشف ان التكالب على السلطة صار غاية بدليل تمسك الخزاعي بأي دور وعجز 90 في المئة من الطبقة السياسية عن ازاحة اسمه عن التشكيلة الرسمية من جهة ثانية. وكان آية الله الشيخ بشير النجفي، وهو احد المراجع الاربعة الرئيسيين في العراق وصف الخزاعي في آذار (مارس) 2010 بأنه «مقصر في عمله»، ودعا الى تغييره. لكن الخزاعي استمر مؤثراً في حزبه وتمكن بعد عام من ذلك التاريخ من الفوز بمقعد برلماني. ويؤكد مراقبون ان الخزاعي قد يصبح نائباً لرئيس الجمهورية على رغم اعتراض الكتل الاخرى، بينها «العراقية» و «التحالف الكردستاني» و «تيار الصدر» و «المجلس الاعلى»، لكن ذلك، في مرحلة الاضطرابات الشعبية قد يرتب نتائج وخيمة على الثقة الشعبية بالطبقة التي تقود العراق. وإضافة الى توسيع الحكومة حقائبها لتستوعب الكتل المشتركة فيها وطموحات الشخصيات السياسية المتحالفة مع المالكي والمعارضة له فإن الشارع العراقي الساخط على السياسيين ينتقد بحدة اتفاق الكتل السياسية على الاختيار بعيداً من معيار الكفاءة. وكانت تشكيلة الحكومة الجديدة ضمت نحو 11 وزير دولة من دون حقيبة لاستيعاب وإرضاء زعماء الاحزاب وقادتها من جهة، وفرض خريطة عددية تعكس التقاسم داخل الحكومة خلال التصويت على قرارات مجلس الوزراء، من جهة أخرى. وعلى رغم ان قادة كتلة المالكي «دولة القانون» اعتبروا انه لن يتحمل مسؤولية فشل وزرائه الجدد بسبب رفض الكتل السياسية منحه حق ترشيح الوزراء وتحمل المسؤولية، فإن قضية الخزاعي تبدو اكثر تجسيداً لمعارك السلطة في العراق. ويقول مقربون من رئيس الجمهورية جلال طالباني انه لم يكن مرتاحاً لاقتراح الخزاعي نائباً له، ولم يكن يرغب في تعيين اكثر من نائب. إن خيارات الزعماء العراقيين في هذه المرحلة اكثر حساسية، بسبب وقوعهم بين نوعين من الضغط، الأول يتعلق بتصاعد الاحتجاج الشعبي على المحاصصة التي غلفت خريطة الحكومة الجديدة، والآخر يتعلق بصعوبة التخلي عن الحلفاء التقليديين او اغضابهم خوفاً من دخول العملية السياسية في دوامة صراع جديد او انضمام المقصيين الغاضبين الى المعارضة. وترجيح كفة احد الخيارين تفرضه حسابات قد تجعل فرض الخزاعي نائباً لرئيس الجمهورية امراً واقعاً في نطاق الصفقات المطبقة في توزيع المناصب الرئيسية في الدولة.