يرى عدد من المعلقين والمسؤولين الاميركيين أن حوادث مصر دليل على افول نفوذ أميركا الدولي. والقرينة على ذلك إحجام الرئيس مبارك، وهو استفاد من مساعدات اميركية كثيرة، عن استجابة النصيحة الاميركية أو النزول عند ضغوط واشنطن. ويشكو بعض المعلقين من عدم تكبد المتظاهرين المصريين عناء حرق العلم الاميركي، ويرون أنه أمارة بزوغ «شرق أوسط ما بعد أميركا». ولا يولي هؤلاء اهمية لاستخدام المحتجين وسائل التكنولوجيا الحديثة للمطالبة بحقوقهم الفردية. ويغفلون أن المتظاهرين في شوارع القاهرة قصروا مناشدتهم على طرفين، الاول هو النظام المصري، والثاني الحكومة الاميركية. ولم يتوجه هؤلاء الى الاممالمتحدة أو الجامعة العربية أو الصين. ورد الصين على حوادث مصر اقتصر على الغاء كلمة مصر من محركات البحث الصينية، والصمت في انتظار مرور العاصفة. لكن ثمة مبالغة في التوسل بحدود القوة الاميركية لسوق نظرية الأفول الاميركي. وما هو مقياس الافول، أيُقاس على النفوذ الاميركي في اللحظة الاحادية اثر انهيار الاتحاد السوفياتي، أم على «أبرد» أوقات الحرب الباردة يوم كان السوفيات يقدمون المساعدات العسكرية والمالية واللوجستية الى سورية ومصر وليبيا والعراق، ويوم كانوا يعوقون السياسات الاميركية؟ ويتوسل الباحث جوزيف ناي استعارة الكعكة ذات الطبقات المختلفة لوصف النفوذ الاميركي. ففي الطبقة الاولى، تتربع القوة العسكرية الاميركية التي لا تضاهى الى اليوم. والطبقة الثانية هي طبقة النفوذ الاقتصادي، في وقت صار العالم، منذ بعض الوقت، متعدد الاقطاب. والطبقة الثالثة هي عالم المصرفيين والارهابيين وال «فايسبوكيين» والقراصنة، العابر للجنسيات. فالقوة صارت تتوزع على مروحة واسعة من اللاعبين، وبعضهم خيّر وبعض آخر شرير. ووسع بعض هؤلاء اللاعبين رعاية هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2011، ووسع بعض آخر تنظيم احتجاجات 25 كانون الثاني (يناير) المنصرم. والحق أن الديموقراطيات قد تواجه في مراحلها الاولى اضطرابات، وقد لا تخدم المصالح الاميركية. ولكن، مع الوقت، تستقر الانظمة هذه ويعمها السلام. واستقرارها ارسخ من استقرار انظمة الرجل الواحد الهشة. والمرحلة الانتقالية الى الديموقراطية صعبة وأبوابها مشرعة على الاحتمالات، وخصوصاً في دول جذور الديموقراطية فيها ضعيفة. * معلق، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 10/2/2011، اعداد منال نحاس.