إذا كانت الرياضة السعودية تعاني من الثقوب والعيوب في العقد الماضي، فإن أكثر العيوب والثقوب اتساعاً هو موجة التعاقدات التصاعدية التي وصلت لأرقام فلكية وخرافية، بسبب دخول بعض رجال الأعمال سوق الاحتراف السعودي بطريقة غير موزونة وغير محسوبة. رجال أعمال دخلوا بوابة الأندية، وتوقعوا أن صفقات اللاعبين مشابهة لصفقاتهم التجارية، لذا أبرموا عقود انتقال وإعارة بما يشبه الخيال، فتضرر الوسط الرياضي بأكمله، بل دفعت الرياضة السعودية الثمن على كل الأصعدة، وأصبحت لغة اللاعبين مرتبطة بالمال فقط من دون تطوير المستوى الفني، عقود الإعارة لموسم واحد تجاوزت الثمانية ملايين، هل يعقل هذا؟ ومن يكون هذا اللاعب الفلتة الذي يلعب موسماً رياضياً واحداً بأكثر من ثمانية ملايين ريال؟ أليست هذه فوضى؟ بل مجاهرة بالمعصية واستخفاف بعقول الناس. عقود انتقال بعض اللاعبين وصلت إلى درجة تقديم شيك مفتوح للاعب يركض خلف جلد منفوخ، كيف يستوعب المواطن الذي يبحث عن رغيف خبز وقوته وقوت عياله اليومي هذه الأوضاع؟ وكيف تحولت كرة القدم من لعبة شعبية إلى لعبة شبه مغزولة، والدليل تلك المدرجات الخاوية؟ رجال الأعمال بعثروا الأوراق، وأحرقوا سور مدينة الرياضة الفاضلة، ووقفوا على شرفاتها يتابعون المشهد الذي واصل الصعود إلى الهاوية، وهم بمنأى عن هذه التضاريس الجغرافية، التي شوهت الرياضة وأفسدت أهدافها السامية. نتاج هذا الفساد التجاري الذي اقتحم الرياضة السعودية تدن في المستويات الفنية لجميع اللاعبين وجميع الأندية السعودية وسوء النتائج على الصعيد الخارجي، وآخرها مشاركتنا الباهتة في نهائيات أمم آسيا التي اختتمت في العاصمة القطرية الشهر الماضي، وزاد من هول الفساد ذلك الفكر الذي يسيطر على عقول اللاعبين بمن فيهم الشبان، وآخرها لغة الحوار أثناء محاولة الهلال الاستفادة من خدمات اللاعب ياسر الشهراني، فقد دخل والده على الخط وحقن ابنه بلغة المال من دون التفكير في المستقبل الذي ينتظره لو سنحت له الفرصة بالانتقال لناد جماهيري كبير مثل الهلال ففسدت الصفقة، لأن رجال الأعمال أفسدوا عقول النشء لدينا. لاعب مثل ياسر الشهراني كان يحلم بأن يرتدي قميص ناد شهير مثل الهلال، طالب بالملايين قبل أن يثبت قدميه مع ناديه ومع المنتخب السعودي، فكيف ستكون لغته لو أصبح أساسياً في النادي والمنتخب؟ وتصوروا مستقبله لو لم يكن المال حجر الزاوية في تفكيره، من المؤكد سيجد مبلغاً مالياً لا يقل عن شبان الهلال ولا يزيد عليهم، ومن المؤكد سيجد مناخ إبداع يسهم في تطوير مستواه ومن ثم النجومية لعشر سنوات مقبلة يتخللها عقدان احترافيان بمبالغ تفوق ما كان يفكر فيه. رجال أعمال أفسدوا سوق الاحتراف والله يستر من شطحاتهم ونطحاتهم المقبلة. [email protected]